2017/02/13 | 0 | 2253
ما معنى النظرية
بسم الله الرحمن الرحيم - ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (١٤) – صدق الله العلي العظيم - يونس.
في كثير من الأحيان، يجلس بعضنا يناقش شتى الأمور ويحاول كل منا إثبات وجهة نظره ويستند إلى نظريات أو فرضيات أو حتى أوهام لا علاقة لها بالموضوع، ويبدو في كثير من الأحيان التباس في الأمر، ومنها يصعب التواصل وتعم الفوضى.
في الاستخدام اليومي أو المعنى الدارج، "نظرية" في كثير من الأحيان تعني حدسا لم يُـختبر، أو تخمين بدون أدلة داعمة. ولكن ليس هذا هو المضمون الذي يعنيه العلماء والذي يعاكس المفهوم الدارج الذي يدور في أذهان الكثيرين من الناس. النظرية عبارة عن تفسيرات منطقية لظواهر طبيعية مدعومة بأدلة جيدة من القوانين والفرضيات والحقائق. نظرية الجاذبية، على سبيل المثال، توضح لماذا تسقط التفاحة من الأشجار ولماذا يطفوا رواد الفضاء بعيدا عن الأرض أو المؤثر الجاذبي. وبخصوص الجاذبية، قام إسحاق نيوتن بشرح هذه الظاهرة بقوانين رياضية تعمل في نطاق معين، ومن ثم أتى آينشتاين ليصحح نقص هذه النظريات ويضيف إليها البعد الزمني، وقد يأتي في المستقبل من يضيف أيضا لقوانين آينشتاين لكي تعمل داخل الذرة أو في بطن الثقب الأسود، ولا أحد منا يستطيع أن ينتقص ما توصل إليه نيوتن أو آينشتاين وسيظلان علمان بارزان لهما مركزهما في هذا المضمار. مثلي مثل الذين يأتون من خلفية علمية نعتمد فيها عن إثبات نظرياتها بقوانين رياضية صارمة ودقيقة، ومنها يكون مدلول النظرية بالنسبة لنا يختلف عن مدلولها عند الفلاسفة أو اللغويين أو أصحاب العلوم المختلفة مثل الذين يجعلون اعتقاداتهم مسلمات غير قابلة للفحص أو الاختبار.
حسب المصدر الثاني، يقول پـول پـارسون (Paul Parson) والذي كان مسؤولا عن البرنامج العلمي في البي بي سي (BBC) إنه يتلقى العديد من الرسائل من الناس الذين يرغبون في نشر نظرياتهم التي يعتبرونها مثل حيواناتهم الأليفة (Pet Theory)؛ والقصد من ذلك هي تلك الأفكار التي يعتقد أصحابها أنها نظريات ولكن يحبونها حبا جما كحبهم لحيواناتهم الأليفة (ثقافة الغرب للحيوانات الأليفة تختلف عنا حيث أن بعضهم يورّث هذه الحيوانات). يرد پـارسون بكل أدب على هؤلاء ويشكرهم ويطلب إليهم أن يثبتوا نظرياتهم رياضيا (rigorously) لكنهم لا يعودون إليه مرة ثانية. يقول پـارسون أيضا: "وبالرغم من أن النظريات أداة منطقية وتعكس نتائج تجريبية دقيقة إلا أنها لا تمثل الحقيقة القصوى"، وأقول في مثال ذلك نظريات نيوتن للجاذبية التي أهمل فيها البعد الزمني ومنها أخذ نموذجا ناقصا ومن ثُـمّ تَـمّ إثباته رياضيا، والنقص في هذه النظرية يأتي من التصور الخاطئ للنموذج وليس للأداة الرياضية، ومن المعروف أيضا أن نظريات الجاذبية لآينشتاين لا تعمل في الثقوب السوداء حيث اقترح بعض العلماء إضافة بعدا خامسا؛ وهكذا تكون الكثير من النظريات إذ تعمل في إطار خاص (frame of reference) لكنها تفشل حينما نأخذها بعيدا عن إطارها المعهود. وهناك أمور قد نستسهلها على الأرض ولكنها تصبح معضلة في خارج إطارها، ومثال على ذلك عملية التكاثر على الأرض فطرية وبسيطة بسبب وجود الجاذبية، ولكن حينما حاول العلماء نقل البشر إلى كواكب أخرى وأخذوا عملية التكاثر على محمل الجد لأن مثل هذه الرحلات بحاجة لألوف السنين، عيّن العلماء بعض المتطوعين لممارسة عملية التكاثر بعيدا عن الجاذبية ففشلت ولا تزال هذه العملية تفشل لغاية يومنا هذا، والمصدر الرابع من موقع الفضاء العلمي يشرح صعوبات هذا الأمر بتفاصيل أكثر.
پـارسون يقسم النظريات إلى سبعة أركان:
- العالم الكبير (Macrocosm)، وهي ما تتعامل مع الأشياء الضخمة، مثل الجاذبية وقوانين الحركة والكهرباء.
- العالم الصغير (Microcosm)، وهي ما تتعامل مع الأشياء الدقيقة جدا، مثل عالم الذرة وما داخلها.
- التطور البشري (Human Evolution)، وهي ما تتعلق بكل شيء عن الإنسان مثل التطور الحيوي واللغوي والعقلي.
- العقل والجسد (Mind and Body)، وهي ما تتعلق بالعلوم النفسية والطبية والدوائية.
- الأرض (Planet Earth)، وهي العلوم التي تتعلق بالأرض؛ بما فوقها وتحتها، بغازها وسائلها وصلبها.
- الكون (Universe)، وهو كل ما يتعلق بالكون والبدايات والتطور والنهايات.
- المعرفة (Knowledge)، وهو ما يتعلق بالعلوم الأخرى وترقيها وتطورها، مثل علوم الحاسوب من النواحي الرياضية والمادية (hardware) والبرمجية (software).
لذلك وجب علينا حين النقاش معرفة الركن الذي تنتمي له النظريات المطروحة، ولا بأس أن تتقاطع مع أكثر من جانب؛ مثلا، لابد من تقاطع العالم الكبير والكون في بعض الأشياء لأن الكون يتطور ويتغير كثيرا بسبب الجاذبية التي تطرأ على الأجرام، وكذلك أيضا التقاطع مع العالم الصغير لأن الذي يتحكم في هذا الكون عبارة عن ذرات تتجمع معظمها في الشموس بداية. وفي المجال العلمي المدعوم رياضيا، علينا التمييز بين أربعة أمور: النتيجة؛ الرياضيات نفسها والتي تكون ثابتة ولا خلاف عليها؛ طريقة الحل والتي قد تختلف وتتطور ولكن توصلنا إلى نفس النتيجة؛ النموذج والذي قد يكون خاطئا أو محدودا ومن الصعب جدا الحصول على نموذج كامل – وهذا ما تسعى إليه نظرية الأوتار، وهذا هو الذي يناقشه العلماء مثل نموذج الثقوب السوداء والذي قد لا يعرفها أحد (ولذلك سُمي بالأسود) ولكن بمحاولة فحصها وسبرها من خلال الأثر وتطبيق بعض المعادلات الرياضية.
علينا أيضا ألا نستغرب إذا لم يتم التواصل بين المتحاورين عندما يأتي الأشخاص من مجالات مختلفة؛ العلم التجريبي ملتزم بالرياضيات والطريقة والنموذج والنتيجة، بينما العلوم العقائدية (على سبيل المثال) مرتبطة بمسلمات لا يحيد أو يتنازل عنها أهلها مهما حدث حتى وإن تعارضت مع المنطق والنموذج ويعجز المرء عن إثباتها مخبريا أو عمليا، وحتى وإن كانت نتائج هذا الاعتقاد بلا جدوى بل وتكون أحيانا عائقا للتطور والرقي، ولتعرف ما أعني، حاول أن تنفي قداسة البقرة عند الهندوسي، ومهما حاولت إقناعه أن البقرة مجرد حيوان داجن قدراتها العقلية محدودة جدا ولا يمكن لها حتى أن تدافع عن نفسها عندما يحاول الإنسان ذبحها فإنه لن يقتنع وإن كان حاصلا على شهادة دكتوراه في علوم الذرة. قد يضحك من لا يؤمن بالهندوسية على عقول الهندوس ويسخر من معتقدهم ولكنه لربما يمتلك ما هو أسوأ مما يعتقد به الهندوس ولكنه يعتبره أيضا أمرا مسلما لا يمكن النقاش فيه.
جديد الموقع
- 2025-12-30 (قصيدةُ نثرِكَ بلا لاءاتِ فنائِها)
- 2025-12-29 ارتفاع ملفت في وفيات النوبات القلبية خلال موسم الأعياد ورأس السنة
- 2025-12-29 ارتفاع ملفت في وفيات النوبات القلبية خلال موسم الأعياد ورأس السنة
- 2025-12-28 تكريم العبدرب الرضاء نظير جهوده 3 سنوات مشرفاً لخدمات المرضى للقطاع الشرقي التابع لتجمع الأحساء الصحي
- 2025-12-28 165 متبرعاً يختتمون حملة "عطاء الفضول" للتبرع بالدم
- 2025-12-28 بين الكتب والخبز
- 2025-12-28 (الرحلات الآمنة) بمستشفى الملك عبدالعزيز بالأحساء
- 2025-12-28 الجلطات الدماغية بمستشفى الملك عبدالعزيز بالأحساء
- 2025-12-28 إطلاق خدمة تصوير الرنين المغناطيسي للأجنة بمستشفى الولادة والأطفال ببريدة
- 2025-12-27 جمعة وفاء وتقدير في ضيافة جمعية البر مركز المطيرفي