2025/12/24 | 0 | 156
تجربتي مع الكتابة رحلة لم تنته
في داخل كلٍّ منا شغفٌ خفيّ، يدفعه بهدوءٍ وإلحاح نحو ما يحب. أما شغفي الذي أعتز به، فهو الكتابة. ورغم ما تجلبه لي أحيانًا من تعبٍ ومعاناة، فإنني لا أستطيع الفكاك منها أو التوقف عن ممارستها.
راودتني منذ زمن فكرة كتابة مقالٍ عن تجربتي مع الكتابة، لكنني كنت كلما هممت بالشروع فيه، تعتريني حالة من العزوف، وكأن صوتًا داخليًا يهمس بأن لا جدوى من الفكرة، وأن القارئ لن يجد في سطورها ما يفيده. تساءلت كثيرًا: ماذا سأضيف؟ وما الذي قد يجنيه القارئ من سرد هواجسي وتجربتي؟
ومع ذلك، عزمت أخيرًا أن أدوّن بعض فصول هذه الرحلة، بما فيها من معاناة وهواجس وآمال، مستعينًا بالله وحده.
بدأت تجربتي الكتابية مع بدايات انتشار مجموعات “الواتساب” قبل نحو خمسة عشر عامًا، حيث كانت الحضن الأول لنصوصي البسيطة والمتواضعة آنذاك. كتبت في موضوعات متنوعة؛ تاريخية وعلمية وأدبية، ومع الاستمرار والممارسة اليومية المكثفة، أخذت مهاراتي الكتابية تنضج تدريجيًا، حتى صارت أكثر رصانة ووضوحًا، وبدأت تلقى استحسانًا ورواجًا داخل تلك المجموعات.
حينها، نصحني الأقارب والأصدقاء بنشر بعض المقالات في المواقع والصحف الإلكترونية، غير أنني بقيت مترددًا وغير مقتنع لسنوات، إلى أن نشرت أول مقال لي عام 2016. ولا أخفي أنني غير نادم على هذا التأخر؛ إذ منحني الانتظار فرصة ثمينة لتطوير أدواتي وصقل لغتي. وكلما عدت اليوم إلى قراءة كتاباتي الأولى من الأرشيف، ترتسم على وجهي ابتسامة عريضة.
كانت بداياتي في النشر الإلكتروني عبر مقالات مختارة سبق نشرها في مجموعات “الواتساب”، ثم ما لبثت أن بدأت أكتب مقالات مخصصة للنشر الصحفي. ومنذ البداية، استحوذت عليّ الكتابة العلمية عمومًا، والتوعية الصحية على وجه الخصوص، لما لمسته من نقصٍ واضح وفراغٍ كبير في هذا المجال. شعرت بمسؤولية حقيقية، بوصفي صيدلانيًا ممارسًا ومحبًا للكتابة العلمية، أن أُسهم بما أستطيع في خدمة المجتمع وتوعيته.
فشرعت أكتب عن الأدوية والمكملات الغذائية والأعشاب، وأفنّد المعلومات المغلوطة، وأرد على المنشورات المضللة، مستندًا إلى مصادر علمية موثوقة. ولي الفخر أنني تعاونت لفترة طويلة مع الأستاذ الكبير عدنان الحاجي (بوطه)، الذي يمتلك باعًا طويلًا في ترجمة المقالات العلمية ترجمة احترافية، وتقديمها للقارئ العربي بصورة مميزة. كنت أقترح عليه مقالات أراها مهمة وجديدة، فيترجمها، ثم يطلب مني كتابة مقدمة لها، في إضافة نوعية تثري المحتوى وتزيد فائدته. وأتذكر أنني كنت نشطًا خلال فترة جائحة كورونا، خصوصًا فيما يتعلق بالمقالات العلمية والطبية، المرتبطة بالمرض واللقاحات وما دار حولهما من تساؤلات.
ومن التجارب التي أعتز بها كثيرًا، نشر سلسلة مقالات متتابعة عن الفيتامينات، بلغت نحو خمسة عشر مقالًا في أحد المواقع الإلكترونية. وبعد الانتهاء من نشرها، جمعتها وحررتها وأعدت تهيئتها، ثم حولتها إلى كتاب في رحلة شاقة وجميلة استغرقت قرابة عامين، حتى صدر في سبتمبر 2021 بعنوان «جولة في عالم الفيتامينات»، ولله الحمد، ولاقي استحسانًا ورضًى طيبين من القرّاء.
لفترة طويلة، انغمست في كتابة المقالات العلمية حصريًا، ونادرًا ما كتبت مقال رأي في بداياتي، إيمانًا مني بالحاجة الملحّة للكتابة العلمية. لكن مع مرور الوقت، شعرت برغبة في تنويع موضوعاتي، فصرت أتنقل بين المقال العلمي والفكري والاجتماعي والأدبي، بحثًا عن مساحة أوسع للتعبير.
ترافقني أثناء الكتابة هواجس وأسئلة لا تفارقني: هل ما أكتبه مفيد ويضيف قيمة حقيقية للقارئ؟ هل يحمل جديدًا ومختلفًا؟ هل يحظى بالتفاعل الذي يشجعني على الاستمرار؟ فأنا أكتب غالبًا في وقت فراغي المحدود، بين عملٍ بدوام كامل ومسؤوليات أسرية واجتماعية، فأعود لأسأل نفسي: هل يستحق هذا الجهد؟ وهل يكفي المردود المعنوي وحده للاستمرار، في ظل غياب أي عائد مادي؟ وهل تصل مقالاتي إلى القراء الذين تستحقهم؟ وهل أتلقى ما يكفي من الردود والنقد لأعرف مستوى رضى القارئ عن مقالاتي واستفادته منها؟
لاحظت مع الوقت أن انتشار المقال لا يرتبط دائمًا بجودته أو الجهد المبذول فيه، بقدر ما يرتبط بموضوعه، واهتمام الجمهور، وحتى “الترند” السائد في تلك الفترة. فقد أكتب مقالًا أراه مهمًا وبذلت فيه وقتًا وجهدًا كبيرين، لكنه لا يلقى التفاعل المتوقع، لأنه ببساطة لا يلامس اهتمام القارئ العام في تلك اللحظة.
أما مصادر أفكاري، فتأتي من أماكن شتى: محاضرة أسمع فيها معلومة جديدة، أو نقاش مع زميل أو صديق يثير سؤالًا معينًا، أو خبر أقرأه في موقع إخباري يستدعي التوضيح والتحليل. ومن هنا تبدأ رحلة البحث والقراءة، قبل أن تتشكل الفكرة في قالب مقال علمي أو توعوي متزن.
ومن أعظم ما جنيته من الكتابة، أنها أجبرتني على القراءة المستمرة والمتعمقة، خاصة في المجالات العلمية. فلا كتابة بلا بحث، ولا مقال بلا مصادر. وقد منحني ذلك ثراءً معرفيًا لم أكن لأبلغه لولا هذه التجربة الكتابية المكثفة.
أملي ان تكون كتاباتي محل رضا الله أولاً والقراء ثانياً، وأن يكون فيها الفائدة والمنفعة للناس، والحصول على شكر الناس واستحسانهم هو أكبر مكافأة أتلقاها جزاء لمقالاتي، فحين أسمع أحدهم يقول لي: اعتبر مقالاتك مرجعاً لي، أشعر بغبطة كبيرة إلى جانب الشعور بتعاظم المسؤولية الملقاة عليّ.
أالكتابة بالنسبة لي شغف وسلوى؛ شغف لا أستطيع الانقطاع عنه أكثر من أيام قليلة، حتى في الإجازات، بل أني أحياناً قد يصيبني الأرق بسبب التفكير في إكمال مقال بدأته ولم أنهيه، وسلوى أجد فيها علاجًا روحيًا يخفف عن نفسي أعباء الحياة ومتاعبها.
في الختام، تبقى تجربتي مع الكتابة رحلة أعتز بها وأفتخر، رغم ما يكتنفها من تعب ومعاناة، فهي — كما قلت — شغفٌ يحرّكني، وسلوى تؤنسني، ودواء يداوي الروح.
جديد الموقع
- 2025-12-28 تكريم العبدرب الرضاء نظير جهوده 3 سنوات مشرفاً لخدمات المرضى للقطاع الشرقي التابع لتجمع الأحساء الصحي
- 2025-12-28 165 متبرعاً يختتمون حملة "عطاء الفضول" للتبرع بالدم
- 2025-12-28 بين الكتب والخبز
- 2025-12-28 (الرحلات الآمنة) بمستشفى الملك عبدالعزيز بالأحساء
- 2025-12-28 الجلطات الدماغية بمستشفى الملك عبدالعزيز بالأحساء
- 2025-12-28 إطلاق خدمة تصوير الرنين المغناطيسي للأجنة بمستشفى الولادة والأطفال ببريدة
- 2025-12-27 جمعة وفاء وتقدير في ضيافة جمعية البر مركز المطيرفي
- 2025-12-27 العالم الرقمي و خصوصيتنا
- 2025-12-27 المهندس "المطر" يدشّن حملة التبرع بالدم في مركز صحي الفضول والختام اليوم السبت
- 2025-12-27 د.نسيبة أحمد أخصائية الجلدية بمستشفيات الحمادي: ضرورة شرب الماء الكافي وتناول الأطعمة الصحية واستخدام أجهزة الترطيب في الشتاء
تعليقات
امير على البحراني
2025-12-26شكرا للموقع في نشر المفيد لتعم الفائده للمجتمع الشكر موصول للكاتب المتميز صاحب التخصص وللمقالات الفريده التي تفيد المجتمع وترفع من ثقافته في مجالات مطلوبه. الف شكر لك وفي ميزان حسناتك