2025/10/07 | 0 | 434
القراءة في كتاب سجدة من سلالة المحراب
قراءة في كتاب سجدة من سلالة المحراب– تجليات من حياة الشيخ محمد بن صادق الشهاب (1378-1445هــ) -، للمؤلف/ سلمان بن حسين الحجي، الطبعة الأولى / 1447هــ /2025م.
أهمية توثيق الشخصيات:
تكمن أهمية توثيق الشخصيات التي تترك بصمات واضحة في مجتمعها، سواء من خلال مشاريع البناء، أو الارتقاء بالتعامل أو المبادرات الإنسانية المتنوعة، في كونها إرثا قيما للأجيال القادمة. فتوثيق هذه السير يلهم الشباب ويحفزهم على التعمق في فهم حياتهم، واستخلاص القيم والمبادئ والدروس المستفادة من تجارب السابقين.
والشيخ محمد بن صادق الشهاب شخصية شهد لها مجتمعها بالحضور الدائم في بيوت الله، ومدارس العلم والتعليم والجمعيات الخيرية الداعمة للفقراء والمساكين، ومنابر التربية الحسينية، والمجالس الاجتماعية.
الدراسة النظامية:
تلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وخلال تلك الفترة التحق عام 1388هـ بمدرسة القرآن الكريم للملا علي بن حسين القطان (والد الملا علي المتوفى عام (1379 هـ، حيث نهل من علوم القرآن الكريم. بعد ذلك واصل تعليمه في المرحلة المتوسطة بمدرسة اليرموك في فريج النعاثل، حيث أتم دراسته حتى الصف الثاني المتوسط.
تقييم مسيرته الدراسية بالنجف الأشرف:
أشاد به أستاذه الشيخ محمَّد باقر الأيرواني، كما كشف مكامن تميزه في التحصيل العلمي. صديقه الشيخ يوسف بن محمد الشقاق بقوله: «تباحثت معه أثناء الدراسة في النجف الأشرف في كتاب (معالم الدين) وغيرها من الكتب الدينية، ولاحظت من خلال تلك المناقشات أنني لم أكن أدرك عمق المطالب كما كان يدركها، مما يدل على ذكائه وتركيزه المعرفي. ولو أنه بقي في النجف الأشرف المواصلة دراسته الدينية واهتم بالقراءة الموسّعة، لأصبح من المجتهدين».
ولما رجع إلى الأحساء نهاية عام 1404هـ وبداية عام 1405هـ حضر بعض أبحاث أستاذه الشيخ محمد بن سلمان الهاجري (رحمه الله) في حلقات درسه، وأبحاث السيد محمد علي بن السيد هاشم العلي السلمان بالحوزة العلمية بمدينة المبرز (رحمه الله).
كما كان يتابع بشغف تقارير دروس بعض أكابر العلماء في الفقه والأصول، والمناظرات والمحاضرات والدروس العلمية، وقراءة الكتب الدينية والتاريخية وشرع في التدريس بالحوزة العلمية بالأحساء ما يزيد عن عشرين سنة، وحلقات الحوزة العلمية الصيفية، إضافةً لتدريسه بعض طلبة العلوم الدينية والأكاديميين بمنزله.
جامع الإمام الصادق (عليه السلام):
عند الحديث عن سيرة الشيخ محمد الشهاب (رحمه الله) لا يمكن أن نتغافل عن أربعين سنة كاملة قضاها إمامًا راتبًا لجامع الإمام الصادق عليه السلام، ذلك الجامع الذي أصبح شاهدًا حيًّا على حضور الشيخ وتأثيره العميق في وجدان أهالي الحي.
ملخص نقاط قوته في التدريس:
من المميزات التي لا يخفى أثرها في نفوس الطلاب، وتترك بصمة واضحة في قوة الدرس وفاعليته، هي السمات التي يتحلى بها الأستاذ في أسلوبه التعليمي وتعاطيه مع المادة العلمية. وفيما يلي نعرض أبرز الصفات والخصائص التي يتميز بها شيخنا الفاضل والتي كان لها الأثر الكبير في إيصال المعلومة وترسيخها في الأذهان وذلك وفقا لشهادات تلاميذه:
· دقته في بيان المطالب.
· إيصال المعلومة إلى ذهن الطالب بأقل مؤونة.
· تميزه في اللغة العربية والإعراب.
· ذكر الموارد الابتلائية في كل مسألة لها دخالة بمنهاج الصالحين.
· لطافته ورحابة صدره في الإجابة على الأسئلة خلال الدرس.
· معظم الأمثلة التي يسوقها لتسهيل المطلب العلمي مستقاة من أرض الواقع.
· درسه شيق فلا يخلو من توجيه أخلاقي سواء كان عمليا أو قوليا.
· يمزج المسائل بمواقف عاشها، وشواهد قام بحلها.
مشاركته وأعماله:
• شغل عضوية مجلس إدارة الحوزة العلمية بالأحساء لعدة سنوات. وقد أسهم من خلال موقعه هذا في دعم البرامج العلمية والإدارية التي تنهض برسالة الحوزة وتطور أداءها.
•تولى إمامة صلاة الجماعة في جامع الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) بحي الفيصلية بالهفوف، بوصفه إمامًا، راتبًا، وذلك لمدة تجاوزت الأربعين عاما.
•خطيب حسيني من عام1407هـ، ثم توقف قبل عشر سنوات من وفاته بعد إجراء عملية قسطرة القلب، رجع إليها في السنوات الأخيرة كمأتم في الأسبوع لأحد المؤمنين، أو القراءة ليلة المناسبة، وعلى نطاق أضيق تتمثل في قراءة عشرة أيام متواصلة.
•قرأ في الكثير من الحسينيات في مدن الأحساء وقراها، وكان يحرص على التحضير لمنبره بعناية فائقة. وإلى جانب تميزه في اللغة العربية، كان يُجيد تناول المواضيع التربوية والاجتماعية والأخلاقية، ويحتفظ في ذاكرته بالكثير من المواقف وأبيات الشعر والطرائف التي يستشهد بها في سياق حديثه، مما يجذب المستمع ويشد انتباهه.
•إجراء عقود الزواج وإيقاع الطلاق: نظرا لقربه من أستاذه القاضي الشيخ محمد الهاجري (رحمه الله)، كان يُحيل إليه العديد من قضايا النزاع بين الزوجين لمعالجتها، وذلك خلال الفترة ما بين عام 1414هـ إلى عام1419هــ تقريبا. لهذا رشح لتولي منصب القضاء في المحكمة الجعفرية، إلا أنه اعتذر عن ذلك بسبب ظروفه الصحية وغيرها من الأسباب.
•مرشد في قوافل الحج والعمرة.
•تصدى لتحديد هلال شهر عيد الفطر المبارك لعدة سنوات بعد وفاة أستاذه آية الله الشيخ محمد بن سلمان الهاجري (رحمة الله). وبعد توقفه عن التصدي لتحديد هلال الشهر، أصبح لا يخبر من حوله عن رأيه في هلال الشهر.
• قربه من مسيرة مركز الفيصلية التابع لجمعية البر الخيرية بالأحساء، كانت إدارة المركز ترجع إليه كمشرف، أو مستشار المشاريعهم المتنوعة، وأخذ الإمضاء الديني في تحركاتهم بالأخص بعد وفاة الشيخ محمد بن سلمان الهاجري (رحمه الله) (ت: 1425هـ).
الصلاة على الجنائز:
كان - رحمه الله - ذا قلب رحيم واهتمام خاص بأحوال الناس، خاصة فيما يتعلق بشؤون الجنائز، حيث لم يكن يتردد في تلبية طلب من يسأله الصلاة على موتاهم أو تلقينهم. وكان رحمه الله يرى في ذلك بابا من أبواب البر وخدمة المؤمنين، لا يفرق بين قريب أو بعيد، بل ينطلق من شعور عميق بالمسؤولية الدينية والاجتماعية. وكان من عاداته قبل الصلاة على الميت يوجه المؤمنين ببعض الواجبات والمستحبات من قبيل الصلاة، والتلقين، ووضع الجنازة على الأرض، وغيره.
نموذج الجمع بين العلم والذكاء العاطفي، الدكتور الشيخ محمد جواد الخرس:
يعتبر الذكاء العاطفي من المفاهيم الأساسية لفهم العلاقات الإنسانية، حيث يشمل القدرة على التعرف على المشاعر وفهمها، سواء كانت مشاعر شخصية أو مشاعر الآخرين. يتضمن هذا المفهوم مهارات مثل الوعي الذاتي، والتعاطف وإدارة العلاقات. في هذا السياق، كان سماحة الشيخ محمد بن صادق الشهاب نموذجا حيا لتطبيق هذه المفاهيم في حياته اليومية، مما ساهم في تعزيز فعالية التواصل وبناء علاقات الثقة في المجتمع. فقد كان يتمتع بما يلي:
الوعي الذاتي:
كان الشيخ محمد يتمتع بوعي ذاتي عميق، حيث كان يعرف نقاط قوته وضعفه. هذا الوعي ساعده في اتخاذ قرارات حكيمة تتعلق بتوجيه طلابه وتبليغ. معارفه لجمهوره ومرتادي مجالسه فعندما كان يتعامل مع المواقف الصعبة، كان يستند إلى فهمه لمشاعره الخاصة ولتأثيرها على الآخرين، مما يعزز من فعاليته كمعلم وقائد.
إدارة العلاقات:
قدرة الشيخ على بناء علاقات متينة كانت نتيجة لذكائه العاطفي. كان يعرف متى يتحدث ومتى يستمع، مما خلق جوا من الاحترام والثقة حوله. هذه المهارات ساعدته في توصيل الأحكام الشرعية بشكل دقيق وفعّال، مما جعل طلابه يشعرون بالأمان في طرح أسئلتهم واستفساراتهم.
تعددت العوامل التي ساهمت في قرب الناس منه ومحبتهم له. فقد جمع بين حسن الخلق، والتواضع، والاهتمام الصادق بشؤونهم ويتجلى ذلك في:
اولا: تقواه وخوفه من الله، وعشقه لخدمة شرع الله، ومنبر سيد الشهداء الحسين عليه السلام، وحرصه على الأمانة في نقل المعلومات. كما أن مخزونه العلمي والمعرفي بالأحكام الشرعية، سواء في الفقه أو العقيدة أو الأدب أو التاريخ، كان زادًا مهما له كمشتغل في تبليغ الأحكام الشرعية والخطابة الحسينية.
ثانيا: الثقة الكبيرة التي حظي بها لدى العديد من العلماء وطلاب العلم، نتيجة لما قدمه من علم نافع وحرصه على نقله بأمانة إلى أبناء مجتمعه ومرتاديه.
ويستفاد من هذا الموقف ما يلي:
•دقة تبليغ الأحكام الشرعية.
•روح النقد البناء.
إن سيرته تجمع بين البساطة والأصالة، مما يجعله نموذجا يحتذى به في التفاعل مع الدين كمنارة للراحة النفسية والالتزام بالأحكام الشرعية، وبذا فقد المجتمع شخصية بارزة، وكان ذلك الشعور واضحًا حتى على من لم يعرفه عن كثب.
﴿الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾[ البقرة: 156]
مراسيم التشييع المهيب:
شاع الخبر في أوساط المؤمنين انتشار النار في الهشيم، وعلى أثره أعلنت مراسيم الدفن ليلة الإثنين الموافق 24/12/1445هـ. فهب المؤمنون إلى مقبرة البغلي (الخدود) يتقدمهم جمع غفير من المشايخ والمؤمنين.
رحل الشهاب - السيد عباس بن السيد كاظم العلي – الرميلة:
رَحَلَ الشهاب فأذهل الألبابا
من كان للآل الكرام شهابا
فليبكه المحراب بعد فراقه
أولم يكن للمؤمنين مآبا
والمسجد المعمور من بركاتِهِ
أمسى بفقد الأتقياء مصابا
والمنبر الوضاء من عبقاته
يحيي القلوب إذا تروم متابا
والمؤمنون له تهش نفوسهم
إن ينظروه تفتحت أبوابــا
فلئن يموت فإنَّهُ في خُلْدِنَا
سيظل منهجه القويم صوابا
تعليق على وفاة سماحة الشيخ محمد صادق الشهاب (رحمه الله):
شيخٌ ملأ الأرجاء سمعةً وطيبًا، وكان محطّ أنظار المؤمنين، له الحظوة والمقام، خاصة بعد رحيل آية الله الشيخ محمد الهاجري (رضوان الله عليه).
كان خطيبًا فقيهًا، وصاحب منبرٍ حسيني، ومتحدثًا لبقًا، تربطه علاقات واسعة بالجميع، يشاركهم أفراحهم وأحزانهم، ويبادلهم الحب والاحترام.
اتّسم بالابتعاد عن المشاحنات وتجنّب التشنّج في القول. وأعرف كثيرًا من الأصدقاء في مدينة المبرّز والشُّعبة ممن يحبون الصلاة خلفه، ويُعجبون بخُطبه في صلاة الجمعة؛ إذ كانت أشبه ببوصلةٍ توضّح ما تمرّ به المنطقة من أحداث وأزمات، دينية كانت أو اجتماعية.
لم يكن يترك مناسبة أو حدثًا، إلا وصعد المنبر ليحدث المؤمنين، مؤديًا رسالته الدينية بصدقٍ وإخلاص.
للأسف، كنّا نتابع ما يُبث له من مقاطع وخُطب، لكن لم نُوفَّق بالصلاة خلفه أو الاستماع إليه مباشرة، وهذا ما ترك في قلوبنا حسرةً وخسارةً كبيرة.
وعند إعلان خبر وفاته، أخذ الناس يتحدّثون عن سيرته، وعن عطائه، وعن علاقاته ومواقفه وتعاملاته. وتساءل كثيرون:
هل كُتبت سيرته العلمية؟ هل خلّف كتابًا خالدًا؟ وهل له تلاميذ يواصلون نهجه ويسيرون على دربه؟
لقد اختطفه المرض بعد معاناة، وقلوب المؤمنين كانت تلهج بالدعاء له، راجيةً عودته إلى جامع الإمام الصادق (عليه السلام) إمامًا وخطيبًا ومحدثًا، ذلك الجامع الذي يشهد له في كل ركنٍ وزاوية، بصلاةٍ أو دعاءٍ أو سجدةٍ طويلةٍ كان يخصّ بها المؤمنين والمؤمنات في كل ذكرى ومناسبة دينية.
وإن من الوفاء لهذا العالم الجليل أن لا ننساه من الدعاء والصلاة والصدقة، وأن نردّد دومًا:
رحمه الله، وحشره مع محمد وآل محمد.
ورحم الله من قرأ له سورة الفاتحة، تُسبق وتتبع بالصلاة والسلام على محمد وآل محمد.
جديد الموقع
- 2025-12-29 ارتفاع ملفت في وفيات النوبات القلبية خلال موسم الأعياد ورأس السنة
- 2025-12-29 ارتفاع ملفت في وفيات النوبات القلبية خلال موسم الأعياد ورأس السنة
- 2025-12-28 تكريم العبدرب الرضاء نظير جهوده 3 سنوات مشرفاً لخدمات المرضى للقطاع الشرقي التابع لتجمع الأحساء الصحي
- 2025-12-28 165 متبرعاً يختتمون حملة "عطاء الفضول" للتبرع بالدم
- 2025-12-28 بين الكتب والخبز
- 2025-12-28 (الرحلات الآمنة) بمستشفى الملك عبدالعزيز بالأحساء
- 2025-12-28 الجلطات الدماغية بمستشفى الملك عبدالعزيز بالأحساء
- 2025-12-28 إطلاق خدمة تصوير الرنين المغناطيسي للأجنة بمستشفى الولادة والأطفال ببريدة
- 2025-12-27 جمعة وفاء وتقدير في ضيافة جمعية البر مركز المطيرفي
- 2025-12-27 العالم الرقمي و خصوصيتنا