2021/04/26 | 0 | 3321
امداد و ادلال في رسالة أحسائيّة [1] .
مقدّمة :
امتازت منتجات الأحساء الحرفيّة بالجودة ، مما جعلها سلعة قابلة للتّصدير و البيع و الشّراء و الإهداء و هذه الرّسالة تعكس شيئا من هذا الأمر .
الرّسالة :
هي جُزازة على هامش رسالة بين المرحوم الشّيخ جواد بن الشّيخ موسى بو خمسين لصهره و قريبه المرحوم الحاج علي بن طاهر بوخمسين هذا نصّها :
( أخي .. الطّبيب طالِب على باقر شيرين طلعته من الحجرة جوز مداد و ربيان ، يكون توصّى على جوزين امداد من العمران مقطونات ، و تكاري على شيلهم ، و تعطيه افلوس الذّي يشيلهم واصل للنجف ، و تعطي أحد الزّوّار يشتري ربيان من البحرين و السّلام .
أخي و نريد ادلال من شغل جاسم المتمتمي ، ثلاث صغار مثل الذي أخذت للسيّد و دلّتين كبار من شغله نريد نهديهم عليه لأن عمل معنا جميل ، تعب على باقر إذا رحت له يهدّ المرضى عنده و يأتي لنا )
المرسل :
هو فهو الشّيخ محمد جواد بن الشّيخ موسى بن عبدالله بو خمسين ، و كان الشيخ جواد أكبر أبناء الشيخ موسى من زوجته المرحومة الحاجة فاطمة بنت محمد الأحمد آل بو خمسين .
ولد رحمه الله في الهفوف حدود عام 1334هـ ، و نشأ في كنف والده العالم الكبير و الوجه الاجتماعي البارز فالتحق مبكراً تعلّم دروسه الأولّية على يد الشّيخ إبراهيم الخرس ( ت 1352هـ ) ثم هاجر إلى النّجف الأشرف حدود عام 1345 هـ ، أو قبلها بقليل و مكث فيها حتى وفاته إلا من زيارات عابرة حتى وفاته عام 1389 هـ ، و دفن في الغرفة التي دفن والده في الصّحن العلوي الشّريف بعد أن صلّى عليه المرجع الأعلى السيد محسن الحكيم .
كان الشّيخ جواد بو خمسين يمثل واجهة علمية واجتماعية مهمة للأحسائيين المجاورين و الزّائرين[2] في النّجف الأشرف ففتح مجلسه ضحى كل يوم بعد انفراط الدّروس ليستحيل مجلسه جلسة مباحثة علمية رائقة ، يحضر لها بعناية ، و قد وصفها من عاصروها كالعلامة الفضلي أنها جلسة علمية من فرسانها أستاذ العلماء السيد باقر الشّخص ، و السّيد طاهر السيّد هاشم السّلمان و كثير من أعلام النّجف الأشرف وجوه طلبة العلم الأحسائيين و غيرهم .
كما كان مجلسه مشرعا لزوّاره من الأقارب و الزّوار الأحسائيين القاصدين للزيارة .
المرسل إليه :
هو المرحوم الوجيه الحاج علي بن طاهر بن حسن بن علي الأحمد بو خمسين كان رحمه الله من أعيان الأحساء و رجال المجتمع البارزين ، و قد تولى عمودية فريج الرّفعة ، عرف رحمه الله بقوّة الشّخصية و الجرأة و الشّهامة و حسن التّدبير توفي عام 1382هـ و قد خلّف عددا من الأبناء .
تفاصيل الرّسالة :
تاريخ الرّسالة : لم يكتب في الرّسالة تاريخ لكنّ توجد قرائن ترجّح أنها تعود لعام 1355هـ .
( أخي .. الطّبيب طالِب على باقر شيرين طلعته من الحجرة جوز مداد و ربيان )
و هنا الخطاب من الشيخ جواد للحاج علي الطاهر حيث يخبره أنّ أحد الأطباء و الذي يبدو أنّه كان يستفيد من السكن أو الانتفاع من حجرة عائدة للشيخ جواد بو خمسين و يبدو أنّ الشيخ جواد يرغب في ارجاع الحجرة لانتفاعه الشخصي و يقدّم نظير ترضية ، و هذا الفعل عادة يقدّمه صاحب الملك إذا كان يريد فسخ عقد المؤاجرة أثناء سريانه و كلمة شيرين أصلها فارسي و تعني الحلاوة و يقصد منها هنا حلاوة خروجه من الحجرة .
و الأمور التي يريد تقديمها هي مداد و كمّية من الرّبيان و من ضمن كلام الشيخ يبدو تحديد هذين الغرضين هو من تعيين الطّبيب نفسه .
أمّا المداد فهي نوع من الحُصُر الأحسائيّة مصنوعة من نبات الأسل الذّي كان ينمو في محيطِ الأحساء سيّما في بحيرة الأصفر شرق العمران و بحيرة الصّراة قرب العيون و مناطق أخرى عديدة .
و كانت المداد المادة الرئيسيّة في فرش الغرف و المجالس و المساجد و الحسينيات و عرشان النخيل و كما تقدّم كجزء من تجهيزالعروس أثناء التّحضير لحفلات الزوّاج ، و تُصنّع مقاسات عديدة حسب الطّلب و كما تصنّع مقاسات قياسيّة جاهزة لتباع في الأسواق بحجم المُصلّى و حجم فرش النوّم ، لأن النّاس كانوا قديما ينامون في أسطح المنازل فكانت الأسر ميسورة الحال تضع المداد تحت المراقد القطنية لحمايتها الاحتكاك المباشر بالأرض .
كما كانت هذه المنتجات تأخذ طريقها للتصدير خارج الأحساء لداخل المملكة و دول الجوار و من الهدايا المتبادلة بين الأصدقاء [3].
كان بعض أصحاب تلك المصانع مثل المرحوم الحاج حسين بن عبّاد العيسى[4] ( المديدي ) يتعهّد بتنفيذ و توريد هذه المداد لوزارة الأوقاف و الوزارات الأخرى التي تحتاجها .
و هي إما تستخدم لوحدها مباشرة أو توضع تحت السجّاديد لحمايتها من التآكل .
و كانت هذه الصّناعة منتشرة بشكل خاص في العمران و الجرن
و المادة الخام الأساس في هذه الصّناعة هي ( نبتة الأسل ) و التي تنمو في الأوجام التي كانت تنتشر في مناطق عديدة في الأحساء بشكل طبيعي ، لكن نموّها يتكاثف في بحيرة الأصفر شرقي العمران بالأحساء .
حيث كان صنّاع المداد يقصدون الأصفر لجزّها صيفا ، حيث تكون عادة في أفضل فترة نموّ مناسب للجزّ و قد تصل أطوالها إلى ما يقارب المتر أو أقلّ بقليل ، حيث يفضّل جزّها سنويّا مع الاحتفاظ بالمجموع الجذري للنّبتة ، حيث يتمكّن النّبات من النّموّ مجدّداً بعد جزّه .
* يستعمل في جزّها المنجل ، و ( الخبطة ) و هو قفّازخاص حيث يوجد بعض النّتوءات الحادّة في النّبتة حال نموّها ممكن أن تؤذي من يقوم بالجزّ .
* بعد ذلك تنشرعيدان الأسل بشكل دائري لتجفّ مدّة أسبوعين ، حيث يتغيّر لونها من الخُضرة إلى اللّون الأصفر الذّي تظهر به المدّة .
* تُجمع العيدان و تُحزم على شكل عُقب أو صراير و تحمل لمكان العمل .
* بعد التّجفيف يتمّ فرز عيدان الأسل و اختيار الأفضل منها حسب خبرة المدّاد ، ثم تفرز حسب الطّول ، فتختار العيدان الأطول للناحية اليُمنى وقت العمل و العيدان متوسطة الطّول في النّاحية اليُسرى ، أمّا العيدان القصيرة فتستخدم للجهة الوسطى في المدّة ، في حال رغبته في طول يقارب المئة و العشرين سنتيمتر .
* يتكوّن النّول ( جهاز نسج المدّة ) من جذعي نخيل ممدوين بالطّول لشدّ الحِبلان ، و خشبّة مفرّضة للعرض تسمّى ( الحفّ ) تثبت عليها الحِبلان اللّيفيّة الذين يوضعان حبلين -حبلين وفق مسافات منتظمة ، كذلك (السّداة) و هي خشبة مخرّمة بثقوب منتظمة تمرّر فيها تلك الحبال المشدودة و تستخدم لرصّ العيدان .
* أثناء العمل يمرّ عيدان الأسل الأطول اثنين اتثنين من جهة اليمين ، و تعشّق بين الحبال بشكل متخالف ، للأعلى و للأسفل بحيث تعطي شكلا منتظما متّسقا من الناحية العلوية للمدّة ، ثم تمرّر الأقصر في الوسط ثم العيدان الوسطى من النّاحية اليُسرى ، و يتمّ ثني أطراف العيدان يمنة و يسرى لتظهر أعلى المدّة ناعمة ملساء بلا نتوءات .
* بعد الانتهاء من العمل يقوم المَدّاد بعقد أطراف الحبال ، ليُحْكِم إغلاقها و يمنع انفراط العِيدان منها .
* قديما كانت المداد تفرش عادة في المساجد قُبيل الصلاة و بعد خروج الجماهة تطوى و توضع جانبا و نفس الأمر في البيوت . حيث كانت أرضيات أغلب البيوت و المساجد ترابية أو ممهدة من كثرة المشي عليها و قليل منها مجصّصة .
و يعتني بالمدّة و تنظف بنفضها ، و إذا اضطرّ لغسلها بسبب أوساخ أو وقوع نجاسة فإنّه يبادر لتجفيفها حالا كي لا يتعفّن هذا الجزء ، و في المجمل عُمْرُ المدّة طويل من الممكن أنّ يمتدّ عدّة عقود من السّنوات إذا اعتني بها جيّدا .
* عيدان المدّة القديمة أو بقايا الأسل الجديد المتبقّي من تصنيعها كان يستخدم لكّي الجروح لتعقيمها قديما في التطبيب الشعبي و رمادها يستخدم لإيقاف النزف .
* المدّة تكسب المكان رائحة مميزة مقبولة ، و تستمرّ هذه الرائحة سنينا ملازمة للمكان .
* كلمة ( مقطونات) الواردة هنا في طيّ الرّسالة يقصد منها أنّ حبلان المدّة متقاربان أكثر من الطّريقة التقليديّة مما يكسبها شكلا مختلفاً قد يرغب له بعض الزبائن .
و جدير بالذّكر أنّ تقارب و تباعد الحبلان أو تغييره ممكن أنّ يغيّر الشكل النهائي للمدّة و يكسبه تنوّعا و هو أمر يمكن للمدّاد أن يتحكّم فيه .
( و تكاري على شيلهم )
أي تدفع إيجار نقلهم .
* الإشارة للربيان و جلبه من البحرين يشير لأمر - سبق و أشرت له في رسائل سابقة – و هو أنّ طريق الزّوار و القاصدين للعراق في تلك الفترة يكون عبر البحرين لإعادة بلوازم إضافية ، و ركوب المراكب بحراً إلى البصرة و التّي كانت الرحلات بينهما مستمرّة و منتظمة ، و قد يستدعي ذلك المكث في البحرين أياماً .
أمّا الدَلال التي أشار فهي من عمل الصفّار الشهير المرحوم الحاج قاسم بن أحمد المتمتمي من أهالي فريج الكوت في الهفوف و اشتهر رحمه الله بالإبداع في صنع الدّلال بمقاسات عديدة ، لكن الدّلال الصّغيرات من إنتاجه امتازت ببداعة في النّقوش و لمسات فنّية في إخراجها ، و قد ورث أبناؤه هذه الصّناعة و برعوا فيها و هم كلّ من محمد و الشّيخ حسن و أحمد رحمهم الله .
و قد اشتهر الشّيخ حسن -رحمه الله - بإنتاج ( طقم العروس ) و هو مجموعة من الدّلال الصغيرات ، مصحوبة بصينيّة من الصّفر .
و مؤخرا تعتبر أعمال قاسم من أكثر الأنتيكات الأحسائية رغبة و تداولا بمبالغ عالية و تتراوح متوسط أسعارها ما بين ثلاثة آلاف إلى خمسة آلاف ريال حاليا .
* لم أحدّد بالضّبط من السّيد المذكور في الرّسالة فهل هو المرجع الأعلى السيّد الحكيم - رحمه الله - أم أنّه السّيد باقر الشّخص الذي تربطه علاقة وثيقة بالشّيخ جواد في النجف .
* باقر المشار له هنا هو أخوه سماحة الشيخ باقر بو خمسين ( 1413هـ ) قاضي الأوقاف و المواريث بالأحساء
شكرا لكل أصحاب الإفادات الشفوية و المكتوبة :
* الشيخ الوالد حسن بن علي البقشي ( بو منير ) .
* الأستاذ الحاج طاهر بن معتوق العامر .
* الحاج صالح الحميد ( بو أحمد ) .
* المهندس عبدالله الشايب .
* الأستاذ حسين بن علي الخليفة ( متحف الخليفة ) .
* الأستاذ علي بن حسين العيسى ( بو هاني ) .
* الأستاذ هاني العيد
كتب :
* موسوعة ( مطلع البدرين في تراجم علماء و أدباء الأحساء و القطيف و البحرين) لشيخ المؤرخين الشيخ جواد الرمضان ) .
* ( المختصر المبين في منازل و مشجرة آل أبي خمسين ، شرق الجزيرة العربية ، المهندس يوسف بن أحمد بو خمسين ) .
[1]في العامّية الأحسائيّة تنطق هكذا بإضافة همزة و صل قبيل الكلمة التي تكون أوّلها ساكنا مثل : امْحمّد ، احْسين
[2]ذكر لي الوالد الشيخ حسن بن علي البقشي ( بو منير) : عندما كنت طفلا برفقة أبي للزيارة كنّا في النجف الأشرف ننزل في بيت الشيخ جواد رحمه الله الذي كان له من اسمه الكثير فيحسن استقبالنا و ضيافتنا ، لدرجة أنّه يتفقدنا ليلا ، نحن نائمون و يتحقق من أننا ملتحفون أم لا ؟ و يسألنا إن كنا نحتاج شيئا أم لا ؟ و في سنّ اليفاعة التحقت بسلط طلبة العلم في الكاظميّة المشرّفة ، و اعتمرت العمامة على يديه في حفل أقيم في بيته في النجف الأشرف ، رحمه الله رحمة واسعة فقد أكسبه كرمه و عطفه على جيرانه و معارفه و زوّاره و رعايته لهم حبّهم . )
[3]ذكر لي الوالد الشيخ حسن بن علي البقشي ( كان عمّي الحاج محمد الحسن البقشي يهدي صديقه الحاج علي بن أحمد بو خمسين نزيل البصرة المداد )
[4]من أهالي العمران ثم المنصورة لاحقا ، و كان يمتلك معملا لإنتاج المداد في العمران و في الجرن .
...
جديد الموقع
- 2024-04-20 إنقاذ ما يمكن إنقاذه بالشعر
- 2024-04-20 افراح المبارك والموسى تهانينا
- 2024-04-20 مركز بر حي الملك فهد يقيم احتفالا للمتطوعين بعيد الفطر ١٤٤٥
- 2024-04-19 البدر توقع كتابها سُمُّكِ ترياقي
- 2024-04-19 مكتبات من بشر
- 2024-04-19 المدة والملكية والترجمة وسائل لاستغلال مؤلفي الكتب
- 2024-04-19 أفراح البخيتان بالمطيرفي تهانينا
- 2024-04-18 مكتبات ليست للقراءة فقط
- 2024-04-18 الخميس: رغبتنا صعود لدوري الكبار
- 2024-04-18 "ختام ملتقى موعود مع انطلوجيا القصة القصيرة السعودية"