2020/07/09 | 0 | 3477
اصدار جديد لآية الله سماحة السيد محمد رضا الأحمد السلمان من علماء مدينة المبرز بالأحساء قدم له الأستاذ علي دهيني
المقدمة
العلم والمعرفة غاية وجود العقل
»أنا أحمل هم مليار وستمئة مليون مسلم، وهمّ أربعمئة مليون شيعي، فلست متحجراً ولا منغلقاً، وأجد نفسي في الإنسان كإنسان، فأنا من الإنسان وأحب الإنسان». (ص: 278).
في هذا، وما سيطالعنا من صفحات هذا الكتاب، لا نرى في السيد محمد رضا الأحمد السلمان إلاّ مصاحباً لمن سبقه في العلاقة مع أهل البيت (ع) حباً وولهاً، »إن مقامات أئمتنا (ع) لا يقاس بها أحد، وهذه عقيدتنا، وسوف نُسأل عنها يوم القيامة«. (ص: 346).
ولا أراه هنا إلاّ صديقاً لهشام بن الحكم الذي ترحم عليه الأئمة(ع) لما كان يبديه من عشق وإخلاص لهم، وما تحلّى به من الصدق في النقل عنهم، وقد بيّنه هشام في دعائه: »اللهم ما عملت وأعمل من خير مفترض وغير مفترض، فجميعه عن رسول الله وأهل بيته الصادقين صلواتك عليه وعليهم... « (1). وهشام عرف عنه التدقيق والأمانة في نقل الحديث حذراً من المدسوس والموضوع، بخاصة تلك
التي ذهب فيها الغلو مذهباً جعل من المتعذّر على العاقل القبول بها، وما ذلك منه إلاّ ترجمة لقول مولاه الإمام الصادق (ع) الذي طالما أكد على أصحابه الحذر من الحديث الذي لا يوافق القرآن والسُّنة. وما أجمل من كلمة قالها الإمام الصادق (ع) لهشام بن الحكم بعد مناظرة له مع الشامي: «مثلك يا هشام فليكلم الناس» (2).
هذه هي حركة تفكير العلامة السيد محمد رضا الأحمد السلمان، وهذه هي أسباب دوافعه للتصدي والنقد.
ففي ظِلال الحياة تبقى هناك نوافذ من نور ترسم معالمها لتدل على ذاتها كمحور من محاور السؤال.
وبديهي أن السؤال هو الطريق إلى العلم والسبيل إلى المعرفة، فإلى أي متى يمكن للإنسان أن يتلقى العلم ويبحث عن المعرفة؟
والجواب: إن العلم والمعرفة، للعقل، نهران لا ينضبان، فهو يستزيد منهما أبداً، وكلّما عاد إليهما ملأ جداوله بالمزيد، وتعاضدت مداركه وصارت أكثر وعياً عند صاحبه، ليتحمّل المسؤولية في رعاية الوعي في مجتمعه، وهذه المسؤولية توجب عليه أن يتحقق من كل ما تناهى إليه متجرداً من أهوائه، مبتعداً عن خصوصياته، ليقف موقف الحكم العادل في قوسه، ويبني أحكامه على بيّنات مثبتة، عقلاً ونقلاً، لا
بظرفيات مشوبة بأهواء أو منطلقة من عواطف، بل ساعياً إلى تمكين عقل المتلقي بما سيرفده مما توصل إليه في المضمار الذي يتصدى له.
ما دفعني إلى هذا القول هو ما يلي من صفحات هذا الكتاب الذي تحرر قلم وفكر كاتبه من غائية الشخصنة إلى لزوميّة البحث عن مكامن الضعف. هذا الضعف الذي شكّل قوة نافذة في عقول المتلقين من العامة، حتى بات سلوكاً تماهيه عقولهم وتمارسه جوارحهم دون إدراك لمسؤولية أو تنقيب عن صوابية يجعلان الإيمان في قلوبهم واحة راحةٍ ونعيمٍ خالٍ من الشوائب، وفاتهم التنبُّه إلى أن لا معرفة حقّه من دون علم تُبنى مدامكه، ومناهجه، على ركائز من المصادر الحقيقية، لا المشوبة بالاستحسان أو المكيّفة بالمزاجية حتى استغل البعض فطرتهم، فبث فيها ما اشتهت نفسه.
في سِفرهِ الجديد يجهد العلامة السيد محمد رضا السلمان إلى مخاطبة العقل بما يليق به، حيث لا قيمة للإنسان دون هذا العقل، كما لا قيمة لهذا العقل دون تنويره بالعلم والمعرفة وهما المرتكز الأول من غاية وجوده. ولذا، نجده يلجأ بأمانة إلى النقاش الموضوعي مبيّنا مكامن الضعف ودالاً على الخلل، في مواقف لا تخلو من الجرأة والدفاع عن الحق، رافضاً الانزواء، متحرراً من القيود، دون أن يتخلّى عن تواضعه، فيقول: «فمن يعطي رأياً ونظراً في مقابل مشهور أو يسقط إجماعاً من أساسه، فذلك لا يعني بالضرورة أن حالة الغرور باتت تكتنف ذلك الإنسان الذي خرج من طوق الدائرة المفروضة عليه، بل على العكس من ذلك تماماً». ( ص 297). ويحث، أيضاً، على العلاقة الموضوعية بذات الجرأة التي يتحلى بها في كثير من المواقف، أكان في هذا الكتاب أو في سواه، فيقول: »إن احترامنا للمراجع والعلماء من صميم أخلاقنا وثوابتنا، ولكن لا أن نخرج عن حدود الاحترام والعمل بالأحكام إلى التقديس اللامحدود، فهذا ما لا نسمح لأنفسنا به، ولا نستطيع أن نعطي المرجع أكثر مما له«.
وما يجعل من هذا الكتاب ـ في رأينا ـ أن كل ما ذكر فيه إنما هو مقدمة لما يريد أن يصل إليه وهو : البحث عن الفقيه وحيثياته ومن هو؟.
وهو تهيئة وتوطئة ومقدمات للوصول للهدف والغاية كما يقول الكاتب. كما هو حاجة نفتقر إليها لما تحدّث به، وتجرُّده في الطرح، وعدم مهادنته حيث يجب التصدي، «فعلى الذين يعيشون حالة من الرغبة الجادة في التغيير وتقليب الأوراق أن يعدوا أنفسهم للأسوأ من الشارع العام الغائب أو المغيَّب عن حالة التنوير والتقدم والانفتاح على الواقع من حولنا». (ص 284).
لذا، نجده يعتمد أسلوب الخطاب المباشر حيناً ، ويدلي بدلوه نقداً لعله لم يسبقه إليه أحد بجرأته حيناً آخر، مستقرءاً بعض إشكالات وممارسات وتعبئة اجتماعية لا تليق بعاقل أو متعقل، فيضع النقاط على الحروف، متجاوزاً صدود المهادنة غير آبهٍ بلومة لائم، متخلياً عمّا يسمونه موانع في هذا السبيل، منصرفاً لهذا عن مشاغل ومسؤوليات وشؤون خاصة توجبها الحياة الاجتماعية، بل وحتى الانتقادات لنهجه وشخصه افتراءاً، ليتابع طريقه في مسؤوليته الدينية من خلال الارتقاء العلمي، سعياً للمزيد من بثّ المعرفة، فكان، في جهوده، كما الأم بين أولادها في شؤونهم، ينهض بكل موجبات الأمومة.
وسوف يلاحظ القارىء أن اللغة التبليغية السهلة القريبة للقلوب الواعية، هي لغة خطابية كما أشرنا، ذلك لأن مادة الكتاب استلت من مجموعة خطب داورها السيد السلمان على منبره أيام الجمعة، ولعل هذا يضفي زيادة في انتباه القارىء ليكون على مقربة من الموضوع، وبأن الكلام يعنيه بقدر ما يرفده من نضوج معرفي ويفتح وعيه على حقائق مثبوتة موضوعياً لا عاطفياً.
إذن، فهو يذهب إلى الإنسان وما يمثله من قيمة وجودية عنوانها ماهية العقل وزاده من العلم والمعرفة، ويؤكد أن لا دوافع شخصية في ما يذهب إليه من تصويب ونقد وتوضيح: «فأنا أحمل هم مليار وستمئة مليون مسلم، وهمّ أربعمئة مليون شيعي»، كما أشرنا في مطلع هذا التقديم. وهذه شيمة من ربىّ نفسه ، وتربى أهلاً وعشيرة، في مدرسة أهل البيت (ع) الذين استلهموا الحكمة من الحكيم الأعلى ليرشدونا بحكمة رشيدة إلى طريق الصواب. من هنا نراه يلج إلى عباب الأحاديث المنقولة، فيستجلي مصادرها ويبحث في مضامينها ويستخلص غثّها من سمينها، ويرفض المدسوس منها والمتحوّل والموضوع والمصحّف المقطّع الأوصال، فيقول مستلهماً: «في الحديث الشريف عن أبي ذر عن النبي (ص) أنه قال: (أوصاني خليلي رسول الله (ص) بخمس: أوصاني بطاعة ولاة الأمر، وأن أصل رحمي وإن ولّت، وأن أقول الحق وإن كان مُرّاً، وأن أجالس المساكين، وأن أكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله» (ص: 291)، حاثاً العقول بأن لا تسكت كَرْمى لشخص علاّن أو مكانة فلان لكسب رضاه، وليغضب فلاناً إذا رضي الله تعالى.
لا تذهب مباحث هذا الكتاب ـ فقط ـ إلى طرح مزيد من الأسئلة المتداولة عادة في الأوساط الدينية أو الحلقات المجتمعية ذات الصلة، حول أمور تتعلق بمواقف أو شخصيات لها مؤيدوها أو معارضوها، إنما أراد من مباحث هذا الكتاب أن تكون دروساً في العلم والمعرفة الموصِلين إلى الكمال الإنساني بقدر ما يمكن للبشري أن يكون كاملاً، كما تسعى إلى وضع الأصبع على الجراح الكثيرة المنتشرة في جسد هذه الأمة عموماً، والوسط الشيعي بخاصة، ناهيك عن أنها ذهبت مباشرة إلى من يفتئت على ما يعتبره المصدر الأول للتصحيح والتصويب إذا ما وُجدت النوايا المخلصة في هذا الاتجاه، وقد طرحت ـ هذه المباحث ـ بمجملها السؤال الأهم: من هو الفقيه؟ لأن في اعتقاد الكاتب أن المرجع الديني هو الموئل الذي يفزع إليه المكلفون، وعليه مسؤولية الأخذ بيدهم نحو واحة الأمان والاطمئنان، من خلال عدم المبالغة أو المغالاة في الميل إلى جهة من الجهات بغير سياق علمي، «لكي نضع الأمور ضمن دائرة الاعتدال. وواهم من يتصور أن هذا الجيل الذي يعيش هذه الفترة الزمنية يمكن أن نحجر على عقله، وننأى به عن دائرة البحث والاستفهام وإن كان حرجاً، لأن في ذلك جريمة». (ص: 291).
هذا السؤال مهد له سماحة السيد السلمان، ليعود فيتحدث عنه بمبحث خاص، مستعرضاً الآراء والشواهد إيماناً منه بأنه: من هنا يمكن الانطلاق نحو تصويب مجمل مصادر التشتت في الأوساط الدينية، وهو بيت القصيد في معالجة الشوائب التي طفت على سلوكيات الرعية في الوعي الديني والاجتماعي. وعبر هذا السبيل يكون الارتقاء إلى الكمال الإنساني.
وإن كانت مادة هذا الكتاب ومباحثه تنقسم إلى ثلاثة أقسام، إلاّ أنها تتمحور حول الفقيه الديني وبيئته الحوزوية، ككل مترابط، فهي كذلك مادة يحتاج إليها كل عقل يسعى إلى الرشد في علاقته بمجتمعه. لذا نجده في بعض المداخلات في سياق المبحث، لا يفوته أن يذكر دور الأكاديمي كمثال. لأن، في رأيه، ما يمكن أن يتحلى به الأكاديمي الجامعي يمكن أن يتحلى به الديني الحوزوي، ومن هنا تجيء أهمية الخطاب المباشر المعتمد في بعض المداخلات الأخرى أيضاً.
ليس لنا أن نطيل أكثر هنا كي نستعجل مع المتلقي، الذهاب إلى متون الصفحات، فنجلس مع الكاتب ونتعرف إلى المزيد مما نحتاجه.
ولا يفوتني في الختام أن أشير إلى تواضع السيد السلمان ودماثة خلقه حين يتمثّل بما ذكره في صفحة (304) عن أحد العلماء عندما قُدّم لإحدى المنصات في محفل معيّن بلقب (العلاّمة)، فقال هذا العالم : «أن يُقدَّم الإنسان على أنه (علاّمة) لا يخلو من واحدة من اثنتين، ولا أجد أن هذا العنوان منطبقاً عليّ في كليهما: أما العلاّمة المحلاة بتاء التأنيث المراد بها الأنثى فلا نصيب لها من واقعي لأنني مذكر، وأما التاء التي يراد منها المبالغة فأنا أقل من ينطبق عليه هذا العنوان«.
(1) مناظرة هشام بن الحكم في مجلس هارون الرشيد. ص:20.
(2) المصدر السابق. مؤسسة آل البيت(ع) لإحياء التراث ص: 19
جديد الموقع
- 2024-04-19 البدر توقع كتابها سُمُّكِ ترياقي
- 2024-04-19 مكتبات من بشر
- 2024-04-19 المدة والملكية والترجمة وسائل لاستغلال مؤلفي الكتب
- 2024-04-19 أفراح البخيتان بالمطيرفي تهانينا
- 2024-04-18 مكتبات ليست للقراءة فقط
- 2024-04-18 الخميس: رغبتنا صعود لدوري الكبار
- 2024-04-18 "ختام ملتقى موعود مع انطلوجيا القصة القصيرة السعودية"
- 2024-04-18 بر الفيصلية يقيم حفل معايدة لمنسوبيه .
- 2024-04-18 مختارات من الرسائل
- 2024-04-18 الأمير سعود بن طلال يرعى توقيع عقد إنشاء بوابة الأحساء