2020/05/25 | 0 | 3352
من السالكين إلى الله -1- السيّد عبدالله الأحمد الحاجي ( بو حافظ )[1] رحمه الله .
كنت أسمع اسمه كثيرا على لسان والديّ وعلى ألسنة الكثيرين من الآباء , لكن كثيرا ما كنت ألاحظ أنّه بمجرد ذكره ترتفع الأعين و ترمق للسماء و ترفع الأكفّ بالدعاء له بالرحمة , لقد كان تلك العلامة الفارقة مشتركة لدى الكثير من الآباء و الأمهات فعندما يقال السيد عبدالله أو السيد أبو حافظ تخشع الأبصار و كانّ هذا الاسم يذكّر باللآخرة , هذا الأمر زاد فضولي للبحث عن كنه هذا الرجل الذي لم أعاصره .
فبدأت أحاول لملمة شيء من سيرته فزرت عددا من الآباء و الأخوة الذين عاصروه .و خرجت بهذه العصارة المركزة و إن كانت ضئيلة .
إنّه : السيد عبدالله بن السيد أحمد بن السيد حسن بن السيد إبراهيم بن السيّد عبدالرزاق بن السيد عبدالرؤوف الموسوي الحاجي .
ولد في التويثير حدود عام 1320 هجريّة و نشأ في حضن أسرة كريمة تتجاذبها نواحي الشّرف و النّجابة و المكانة الاجتماعية الكريمة و رخاء المعيشة , فأودعه والده عند معلّم من أهالي البطالية يعلّم أبناء الأسرة , و عندما لاحت منه إمارات النّباهة المبكرة , و ظهر ميله لإكمال شوطه الدّراسي و شّجّعه والده على ذلك الامر فنقله إلى المبرّز و استأجر له دارا للسّكنى و دفع معه أمة لخدمته , و هناك تدرّج في الدروس العربية و الفقهية , عند بعض علماء المبرزّ كالمرحوم السيد هاشم الكبيرالعلي السلمان , أخيه القاضي السيد حسين العلي و السيد ناصر السلمان و السيد السيد محمد .
لكن السيد لضلاعته في اللغة العربية و شغفه بها اختصّ بتدريسها فكان يقصده من الراغبون في دراستها سواء من طلاب العلوم الدينية و الخطباء و محبي النّحو كالخطيب الحسيني السيد محمد الهاشم الشخص ( بو هاشم ) و المرحوم الخطيب ملا حجي الراشد .
و بعد إقامته في المبرّز رجع إلى التويثير و صار يقوم بمهام المرشد الروحي و يأمّ الجماعة و كان كثير ممن يأنسون به يقصدون للاقتداء بإمامته في صلاة الجماعة حتى من خارج التويثير و من ملاك النخيل الذين يقصدون نخيلهم في الأطراف القريبة منها لما يلمسون من خشوع و استغراق في عبادته .
يقول الوالد : ( كان لأبي نخلان في الدّالوة و عندما يقصدهما كان يحرص على الصلاة خلف هذا السيد الجليل شغفا و أنسا لمسلكه و اقتداء بعبادته ) .
ثم انتقل بعدها للسكن في الهفوف و سكن فريج الفوارس قرب ديوان الشّواف[2] فترة ما و كان يقيم الصلاة أحيانا في مسجد أبو خمسين و أحيانا في مسجد الفوارس ثم طلب منه سكان الفاضلية و وقتها كان حيا جديدا إقامة الصلاة في ذلك المسجد الذي [3]أنشأؤه عام 1383هـ و قد أرخ بناءه المرحوم الشيخ ملا كاظم المطر ( ت 1390هـ ) شعريا و هي مثبتة في ديوان قلائد و فرائد بقوله :
سبّحوه ببكرة و عشيّة * و اذكروه فالفضل عمّ البريّه
بشمال الهفّوف من هجريّه * عمّر المؤمنون أرضا عليّه
طاولت أمّها بطلق هواها * رُبّ أرض تميّزت بمزيّه
و قديما لولا مزيّة فضلٍ * أحرزته لم تُدْع بالفاضليّه .
و على بَرّها[4] التّعاون منها * شُيّد المسجد الجميل البنيه .
نخبة من بني الولا قطنتها * غير بِدع فأرضها علويّه .
عام إنشائها دعى الحقّ أرّخ ( مسجد المؤمنين بالفاضليّة )
1383هـ .
مع السيدّ رحمه الله :
هناك ملمحان أو ثلاثة ربما لا يمكن الحديث عن هذه الشخصية دون أن نتوقّف عندها و هو
( حالة العبادة ) و قد كانت الصلاة كما ذكر لي من صلوا خلفه و هم لفيف من الآباء و الإخوة الكبار هي حالة غشوة و استغراق في الدعاء و ربما يتخللها البكاء و قد تستمرّ وقتا يزيد على الرّبع ساعة في الصلاة الرباعية و ربما هذا جعل بعض الأباء يكلفون الوالد بمخاطبته لتقصير فترة الصلاة لأنّ هذا الأمر يشقّ على بعض المصلين و ربما نفّر اليافعين المقبلين حديثي العهد بالصلاة , فيذكر الوالد أنّ السيد بكى عندما سمع ذلك و قال و لا اشق عليهم لكن علمت أن الصلاة بصلاة أضعفهم ! و أنا أضعفكم و أشار لقدمه [5]! .
ملمح آخر هو حالة الكرم و ربما المفرط و هو أنّه رحمه الله عرف عنه أنّه مضياف و شديد الإحسان للفقراء من ماله و هو ما كان أحيانا يحمّله ديونا فيلومه المقرّبون منه و قد يزعجه ذلك لكنه لا ينفك عن طبعه المعطاء و من شواهد ما ذكره لي أحد الآباء : ( ذلك انّ السيد أبا حافظ كان إذا قصده محتاج و لم يكن لديه ما يعطيه مباشرة كان يحيله لأحد تجّار الأرزاق و يطلب منه احتساب الطّلب دينا على السّيد , و يسدّد الدّين متى ما أتيح له ذلك , ذات مرّة أحال لتاجر لكنه للأسف مزّق الورقة وعرّض بالسيّد أنه لن يقدر على السّداد و اغلظ القول و عرّض بالسيد كونه معاقا غير قادر على الكسب في نظره , مما أحزن السيد وأردف القائل أنّ السّيد علّق أن ما أحزنني أني لم أتمكن من مساعدة المحتاج و ليس تعليق ذلك التاجر ! )
ملمح آخر و هو سلوكه الأخلاقي تجاه الآخرين و نستشهد بذلك الموقف الذي ربما يبدو بسيطا لكنّه يشفّ عن شخصية أخلاقية دقيقة التّمييز :
( يذكر الحاج علي بن محمد الممتّن إنّنا كنا مجموعة من الشّباب نأنس بمصاحبة السيد رحمه الله و نستفيد منه فهو موجّه أخلاقي و أب رحيم , ذات مرّة كنا متجهين معه لعزاء في المبرّز , و عندما وصلنا كان الناس على العاجة يأتون متفرقين , و الحسينيات قديما كانت مفروشة بالمساند و ليس بالمقاعد الوثيرة و الكنبات مثل حالها الآن , و و بعد بقائي مدة شعرت بتعب شديد من كثرة القيام و الجلوس لجميع من يأتون للسلام و التعزية , و دخل شاب يافع فسلّم و قام له السيّد و تقاعست عن القيام فسلمت عليه و أنا جالس لكن بعد الخروج وجّه لي لوما شديدا جدا و قال لي لم لم تقم للشاب ؟
ألا تعلم أنّه ربّما كان وليا من أولياء الله و قد أنقصت قدره ؟
فالله أخفى أولياءه في عباده ! فتكون ظلمت نفسك ! )
و هناك جانب مشرق فقد كان صاحب موقف جريء في شأ الإصلاح بين المتخاصمين , و من ذلك انّ أمرا نزغ بين اسرتين كريمتين في قرية من قرى الأحساء فقررت إحدى الأسرتين أن تترك البلد و حتى أنّهم فعلا عزموا الأمر و حملوا أمتعتهم على دواّبهم حتى أنّ من شاهد قافلتهم و هم خارجين من ديرتهم يقول ( كان كلّ خشم حمارفي ذنب الحمار الذي أمامه ! من كثرتهم و ازدحامهم ) حتام إذا سمع السيّد أبي حافظ بالأمر هرع لاستيقافهم و وقف في طريقهم و قال بل ترجعون و تمدّد على الأرض و قال على من يريد الخروج أن يمشي بدابته على بدني !
و فعلا استجابوا لمسعاه و تدخّل و بمسعاه أطفأ الله النائرة .
مرضه و وفاته :
بينما كان السيّد رحمه الله ينتهي من صلاته سقط على الأرض فحمل وو نقل للمستشفى و تبينّ أنّه أصيب بجلطة ألزمته الفراش , فنقله أبناؤه للعلاج في الكويت , منها إلى مستشفى جامعة بغداد حيث توفي هناك و نقل لكربلاء لتجديد العهد و دفن في النجف الأشرف و وفاته كانت في 27 من رجب عام 1394هـ .
فرحمه الله رحمة واسعة .
إفادات شفوية :
- السيد حافظ السيد عبدالله الحاجي .
- السيد طاهر العلي السلمان .
- السيد باقر السيد علي الحاجي .
- السيد محمد الهاشم الشخص بو هاشم .
- الوالد الشيخ حسن البقشي بو منير .
- الحاج علي السلمان العلي بو محمد .
- الحاج عبدالمحسن البقشي بو سامي .
- الحاج صالح بن أحمد المهنّا .
[1]كتبت هذا الموضوع منذ حوالي 18 سنة و لكن مسودّته ضاعت و لم أجدها إلا هذا الأسبوع .
[2]أحد مجالس هذه الأسرة الكريمة و كان كثير من المشتغلين منهم في خياطة البشوت يجلسون فيه كمجلس إنتاج للبشوت .
[3]تبرّع المرحوم الصائغ الحاج أحمد الحسن المهنا بأرض المسجد و أوقفها لهذا الغرض و تداعى المؤمنون للاشتراك في بنائه فرحمهم الله رحمة و اسعة . و جزاهم الله خير الجزاء .
[4]كان الناس يسمّون حي التعاون الملاصق للفاضليّة بالبرّ على اعتبار أنّه إنشي خارج حدود سور الهفوف القديمة ! و بقي اسم البرّ متداولا ربما أكثر من عقدين حتى رسخ اسم التعاون !
[5]كان رحمه الله يعاني من عرج بائن بسبب سقوطه من جبل القارة و هو طفل و لعدم وجود علاجات حدبثة حدثت له إعاقة دائمة ( إفادة من ابنه المرحوم سيد حافظ رحمه الله ) .
جديد الموقع
- 2024-03-28 شراكة مجتمعية بين مؤسسة رضا الوقفية و جمعية ذوي الإعاقة بالأحساء،
- 2024-03-27 ضرر الخلافات الزوجية على الأطفال يقل لو تعامل معها الأب بطريقة بناءة
- 2024-03-27 عدد المفردات المنطوقة والمفهومة في مرحلة الطفولة المبكرة مرتبطة جينيًا باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة والقدرة على القراءة والكتابة والذكاء العام
- 2024-03-27 ق . ق .ج
- 2024-03-27 للنمل مركز اتصالات متخصص لا يوجد في الحشرات الاجتماعية الأخرى
- 2024-03-26 المطيرفي كعادتها تحتفي بالقرقيعان
- 2024-03-26 بستان قصر تاروت ( التراث ، الفن ، الجمال ، الأصالة )
- 2024-03-26 نون وقبل التيه يتألقان في المكتبة المركزية بالرميلة
- 2024-03-26 محمد الحرز: أُمّي دربتني لأكون مساعد طباخ لزوجتي
- 2024-03-26 من الملامح الصوتية في اللهجة الأحسائية(هاء الوقف بعد ياء المتكلم) *
تعليقات
حازم طاهر
2020-06-20رحمه الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جنته فيما يخص نسب السيد الجليل اظن ان السيد عبد الرزاق حفيد السيد عبد الرؤوف لان السيد عبدالله من ذرية السيد احمد بن عبد الرؤوف