2013/04/01 | 1 | 2673
نص محاضرات العلامة الشيخ عبدالجليل البن سعد خلال الليالي الفاطمية
أي أن كل الوظائف والأدوار الدينية والمهنية المسموحة والممنوعة هي خطة للقيام بذلك الحق بدءا من الحق الأكبر لله سبحانه، والذي حدده الإمام السجاد (عليه السلام): "" فأما حق الله الأكبر عليك فأن تعبده لا تشرك به شيئا، فإذا فعلت ذلك بإخلاص جعل الله لك على نفسه أن يكفيك أمر الدنيا والآخرة ويحفظ لك ما تحب منهما ""، ووصولا بالحق الذي عليك لنفسك، وانقطاعا بالحقوق الأخرى التي تفرضها العلاقات العامة في الحياة..
وأول أثر تشكل لشعار الحق هو جدولة الحياة البشرية في أربعة أمور:
1 الحياة العبادية أو الفضيلة العبادية إذ ليس للإنسان فضيلة أفضل من الخضوع والعبودية لله سبحانه .
2 الحياة السياسية أو لنقل: الطريقة السياسية الصالحة.
3 الحياة الاجتماعية وفي أعلى تعبير المثل الاجتماعية .
4 الحياة الاقتصادية وفي تعبير آخر الخطة الاقتصادية.
إن المتاح لنا معكم أيها السادة الحضور هو ثلاث ساعات بواقع ساعة في كل ليلة؛ لذا فإنني سأقفز على اللون الأول الذي تصدر الجدولة ولن يكون ذلك لقلة أهميته طبعا، إلا أنه قد تكرر الطرح حوله كثيرا والحمد لله .
إذن يتحدد موضوع هذه الليلة في الخطاب السياسي للإسلام، والذي يعد حديث السيدة الزهراء (عليها السلام) واحد من الخطابات الإسلامية المبكرة في هذا الخصوص، بل في كل البرامج الأربعة التي سميناها بأسمائها ..
-
الحاكمية والمحكومية السياسية:
هي رفيقة لتاريخ الإنسان، وأصيلة بأصالة وجوده على الأرض، ولأهميتها لم يتخلى عنها رسول أو نبي؛ لذا فإنهم قد حاربوا وصالحوا، عارضوا ووافقوا، رحبوا وقاطعوا، واستتروا وظهروا، وكلها صور للمرحلة السياسية نلتقطها من خلال آيات القرآن الكريم، وواحدة منها تغني عن سائرها وهي : {...إني جاعل في الأرض خليفة}.
وحتى الأئمة (عليهم السلام) لم يشذوا عن تلك القاعدة، وقد قرأ أحد العلماء الحديث المشهور : "" لو لا الحجة لساخت الأرض بأهلها""، قال: أي الحجة سياسيا كالحجة اقتصاديا كالحجة عباديا ...
ماهي معالم الخط السياسي الإلهي ؟
إن ترك الإجابة على هذا السؤال يثير الشكوك حولنا ويغري الآخرين بسوء الظن فينا، وربما في وطنيتنا !!
لهذا نحن سنحدد المعالم لنهج السياسة الإلهية والنبوية والخَـلـَفِيـّة ..
ليس معنى سياستهم (عليهم السلام) أنهم يرمقون الموقعيات السياسية، ولا أنهم يزلزلون العروش، ولا أنهم يزعزعون الأمن العام، بل من استطاعتي القول أن هذا نقيض سياستهم، وذلك بموجب المعطيات التاريخية والفقهية، إذ هي من يستيطع أن يوثق لنا ارتباط السياسة النبوية/ الخَــلـَفِـيّة بالسلم وشعار السلام، سواء مع الداخل أو الخارج ..
ومن المرايا التاريخية والفقهية لهذه الحقيقة:
المصالحة:
تتعدد صياغات الصلح والتصالح في دنيا رسول الله( صلى الله عليه واله) والتي باتت محفوظة عند الأئمة من ذوي القربى (صلوات الله عليهم أجمعين) وهي:
1 الصلح التوافقي (1) حيث التواصل بالكتب والهدايا من قبل النبي (صلى الله عليه واله) فلا يحمل على الآخرين ولا يهملهم، ولايستفزهم ولا يتعرضهم بالحرب لما لا.. فإن كل حروبه دفاعية فلم يتخذ النبي (صلى الله عليه واله) لباب الدعوة مفتاحا من نار وحديد..
وأما الشبهة المترددة ((قام الإسلام بالسيف والدم)) فهي أشبه بحركة الفتوحات منها بحياة الرسول (صلى الله عليه واله) وهي ــ كما يعلم الجميع ــ سياسة حادثة بعده، لهذا طرح الشيعة شبهتهم على إخوانهم في البحث التاريخي، وهي أين هي مشاركة ذوي القربى (عليهم السلام) في تلك الفتوحات؟
2 الصلح التوفيقي (2)يمنع به الرسول (صلى الله عليه واله) بعض الأفراد ويمنحهم حق العيش رغم المخالفة وقد يكون ذلك مع بعض رؤوس النفاق كما كان أمره مع عبد الله بن أبي .. وقد تولى علي (عليه السلام) من حوله ممن خالفه كما تولى رسول الله (صلى الله عليه واله) أشباههم ولم يبدل، فتعامل مع البعض الذين تخلفوا عن بيعته بمنحهم حق الحياة إلى جنبه.
3 الصلح التوقيفي (3) مع أهل الذمة والعاملين في بلاد الإسلام وهذه مدرجة ضمن قائمة حريات الأديان وأحكام أهل الذمة، وإنها تـُجمع إلى الدلائل الكثيرة على نزاهة الروح الإسلامية.
4 الصلح الاتفاقي ونستعمل له مثالين:
أ ) المعاهدة:
يرمي البعض شبهته على مستقبل العلاقات في ظل التعاليم الإسلامية، ويبني اعتراضه على الفكرة الشائعة وهي أن الإسلام لا يحترم الآخر لا في نفسه، ولا في ملكه، ولا في حقوقه..
وإن وقتنا يضيق ببحث هذا الموضوع، والسؤال فقط حول هذه الإباحة المزعومة علينا:
هل هي ثابتة بحكم مطلق لا يألف الاستثناء ؟
أم هي ناظرة إلى أطراف تاريخية سعوا لإضعاف الدولة الإسلامية في مواردها، وكان لا بد للمنطق السياسي أن يصرح بالمعاملة بالمثل آنذاك ؟ { فمن أعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما أعتدى عليكم } !!
إلا أن من الحقيق بالإشارة هنا هو أن بند " المعاهدة " قد ملئ بنصوصه الفقه والتشريع الإسلامي، حتى أصبح من الواجب الذي يعرفه عموم المسلمين احترام المعاهدات الدولية وغيرها، وكونها فوق كل أعتبار، و باصطلاح الفقهاء هي حاكمة بدليلها على دليل الإباحة لو كانت !
وأيضا فإن من الواضح للعالم أن علم السياسة وواقعها اليوم لم يُـقدّم ولم يتوصل إلى صيغة أفضل من خيار المعاهدات الدولية، بل ويسميها الشرعية الدولية، إذن فطرح الإسلام للمعاهدات وضرورة احترامها والجزاء على خرقها، لهو إشارة إلى انساجم الإسلام مع هذه التعاليم .
ومن أبرز أمثلته صلح الحديبية الذي تم سابقا على فتح مكة المكرمة .
ب ) التنازل عن الحقوق:
وهذا ما أنعكس على سيرة الأئمة الهداة من خلفه (صلوات الله عليهم أجمعين) وفي طليعتهم أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي عقد أول صلح بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه واله) بأشهر كما هي رواية البخاري(باب المغازي/4240) قال:
"".... فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت وعاشت بعد النبي ستة أشهر فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلا ولم يؤذن بها أبا بكر ... وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة .... التمس مصالحة أبي بكر ومبايعته..."".
قد نناقش في أصل البيعة التي لم تردنا من الطرق التي يتفق المسلمون على اعتبارها، ولا من الطرق التي نستقل نحن باعتبارها، وهذا رأي طبيعي لا يعاب ..
ولكن حتى لو بقينا وظاهر الرواية فإنه لا يمكن أن نقر الآخر على احتجاجه بها؛ لأن البيعة لا تعين رئيسا ولا تؤسس حقا، إنما هي تبرز الحالة السابقة عليها وتكشف عنها وتؤكدها فقط ، يقول السيد الحسيني الشيرازي في موسوعته الفقهية:
أنها إذا جاءت بعد الانتخاب أظهرته وإذا جاءت بعد التسليم والتصديق بالأحكام التي أعلنها الرسول صلى الله عليه واله أبرزتها كما في مبايعة المسلمين له وبشكل متكرر إذ لم يكتف بالبيعة الواحدة"" (الفقه:106/ 276).
وهكذا نقول نحن أنها إذا جاءت بعد المصالحة كما هو صريح الحديث فسوف تكشف عن المصالحة فقط الحال الذي تكرر مع الإمام الحسن (عليه السلام)أيضا؛ لأن البيعة نوع تأكيد لما سبق ليس غير . وبهذا نستوفي درسا من دروس الولاية في التربية السياسية .
-------------------------------------------------------------------------------
نص المحاضرة الثانية لسماحة الشيخ عبدالجليل البن سعد لليلة الثانية من الليالي الفاطمية المباركة ...
-
من الولاية إلى التربية الاجتماعية
"فرأى الأمم فرقا في أديانها عكفا على نيرانها عابدة لأوثانها منكرة الله مع عرفانها، فأنار الله بمحمد صلى الله عليه واله ظلمها وكشف عن القلوب بهمها وجلى عن الأبصار غممها ...حتى تقول: وكنتم على شفا حفرة من النار مذقة الشارب ونهزة الطامع وقبسة العجلان وموطئ الأقدام تشربون الطرق وتقتاتون الورق أذلة خاسئين تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد صلى اله عليه واله بعد اللتيا والتي ... ".
حركة التاريخ:
المجتمع ينتقل ضمن حركة اسمها لدى فلاسفة الاجتماع وعلمائه "حركة التاريخ "؛ لذا فإن الدراسة لأحدهما لا تأتي مفصولة عن الآخر ومن الفلاسفة الإسلاميين المعاصرين الذين فتحوا الضوء علىى هذا الموضوع الشهيد المطهري والشيخ المصباح اليزدي فقد أنتهى كل منهما بدراسة ضمن عنوان " التاريخ والمجتمع".
فقدر من يريد أن يرصد حركة المجتمع أو يمدها بأسلاك الطاقة الحيوية أن يفهم ماذا تعني حركة التأريخ أولا..
فهل التاريخ يصعد أو ينزل أو يدور؟
كل عنوان من هذه يمثل ميلا فكريا لدى البعض وإن الراسخ بين الفلاسفة هو "الصعود" بينما العالق على السنة الناس و المأنوس في أذهان بني العموم هو " الدوران" ولذا أنت لا تجد إلا من يقول لك: ""إن التاريخ يعيد نفسه ""!
أي لا صعود ولا نزول إنما هو التاريخ ينقض الخطوة إلى الأمام بالخطوة إلى الوراء، وهو التاريخ يرتبط فيه موعد الصلاح بموعد الفساد؛ لأن الحياة لا يمكن أن تخلو من قديسين وأشرار ظالمين ومظلومين ..
وفي حساب شخصي وتقديري للموضوع أرى أن نظرية "" الصعود"" مقبولة في الحركة المادية للمجتمع بقبول الحقيقة، ومقبولة أيضا في الحركة المعنوية للمجتمع بقبول النظرية لا الحقيقة بمعنى أنها ليست مستحيلة والدليل أن الصعود والارتقاء هو منطق جميع الثورات، وهو صورة الحياة لدى جميع الشعوب؛ إلا أن طريقه مزدحم بالمواجهات والتحديات النابعة من العقد وطبائع الاستبداد (من الظلم والديكتاتورية والتعسفية) الشبه ذاتية لدى بني الإنسان الحقيقة التي هجس بها الشاعر:
الظلم من شيم النفوس فإن تجد ذا عفـــــــة فمن علة لا يظلم
وقد أحاطت خطبة الزهراء سلام الله عليها بهذا المعنى تقول: "" فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد صلى الله عليه واله بعد اللتيا والتي... "".
وكأنها تقول بأنكم كنتم خارج حركة التاريخ وأن حركة التجارب التاريخية السابقة لم تلقي بتمهيداتها في عملية نقكلم !!
بل لقد كان العربي هو القزم بين عملاقين فارس والروم .. فاجتمعت بوجوده إلى جانبهما حركتان في التاريخ نزول وصعود!!
وقبل أن أنطلق في الحكم على ذلك نخرج بالمبررات التاريخية لهذا الصدود من قبل الحضارات المجاورة أولا لأن تلك الأمم لا يمكن أن تفرض حماية على شعب أو تنعم عليه بالخدمات إلا بعلاقة من ثلاث.. والتي هي:
الأمية النافية للعلاقة المعرفية فلا طالبة ولا مطلوبة .
الرعي فهو خلاصة الحركة التجارية داخل المجتمع البدوي والبدائي وهذا يقطع العلاقة المادية والتجارية.
الشرك فلا علاقة دينية ولا حمية طائفية بين العربي وبين الرومي أو الفارسي لأنه لا يرجع إلى المسيحية ولا ينتسب إلى اليهودية ولا المجوسية ...
ولكن من غير المرفوض أن تصعد أمة ثم تتسافل ثم تتحول هي إلى تأريخ انطوى على حركتين معا..
ومثال القضية هو أوروبا فإنها ولأكثر من ستين عاما أي تاليا للحرب العالمية الثانية لم تشهد حربا في نفس البلاد وأما قبل ذلك فقد كانت حليفة المأساة..
فـ40 % من سني البلجيك استغرقتها الحرب.
و 28% من سني المانيا كذلك.
و 50 % في أنكلترا هي سنوات ساخنة.
بينما كاد ينعدم الأمل في الأصلاح بالنسبة إلى أسبانيا وقد قضت 67 % في حروب قرضت الزرع وفتت المباني!!
في الحين الذي عاش العالم العربي والإسلامي مناخا هدأت فيه عواصف الحروب الداخلية نسبيا (أي مع إشاحة النظر عن الآنقلابات العسكرية والمناوشاة الطائفية بين المدينة والأخرى) وأما الآن فقد عادت مشاهد الحروب إلى اللبلاد الإسلامية وصار يشكل حريقا خارجا عن السيطرة تلتهم الاقتصاد والنفوس التهاما وحشيا؟!
ولكن لنا أن ندعي أن الإنسان (أيا وأين كان) فهو مسكون بهم الصعود والتقدم؛ لأن مناظير العقول مصممة لرؤية بريق الأمل في النقظة القاصية من القمة ومن ينكر الصعود في حركة التاريخ بالعموم والخصوص سوف يتحمل مواجهة العقل.
التعديل الإجتماعي:
إن المصدر " تعديل/تغيير" يتضمن وجود فاعل وقائد معدل/مغير عظيم يحرر الحديث إلى الانتقال والنقلة الاجتماعية بدلا عن الحديث في الحركة والصعود التي تتطلب سلما تتفاوت الحركة بتفاوته في القصر والطول والتعرج والاستقامة أي أن اللطف الإلهي لا ينتظر بالإنسانية إلى أن تصمم سلما للصعود ولكن ينقلهم مع ريح النبوة من الموضع غير الآمن وفي الدرك من ظلمات التاريخ إلى قمة التاريخ حيث هواء الإنسانية الطلق والإبصار على نور الإيمان
"" فرأى الأمم فرقا في أديانها عكفا على نيرانها عابدة لأوثانها .... وكنتم على شفا حفرة من النار مذقة الشارب ونهزة الطامع وقبسة العجلان وموطئ الأقدام... فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد ... "" .
فالبشرية ترى في تقدم الأنبياء وزعامتهم حركة ولكنها حركة مطوية المسافة فهم لا يبتعدون عن تشخيص منظار العقول ولا للحظة إلا أنهم يشخصون بلا مناظير وبهذا كان يصيح علي عليه السلام: "" وواتر إليهم أنبياءه ليستأدوهم ميثاق فطرته ويذكروهم منسي نعمته ...ويثيروا لهم دفائن العقول..."".
------------------------------------------------------------------
نص المحاضرة الثالثة لسماحة الشيخ عبد الجليل البن سعد حفظه الله في الليالي الفاطمية المباركة ..
-
من الولاية إلى الإعداد الاقتصادي
كانت دراستنا لخطي السياسة والاجتماع من قبيل التعمق في قواعد العدالة والحكم الإلهي في الحياة الخاصة بخلفاء الأرض من بني البشر، ولن تتم الموالاة بين أجزاء هذا الموضوع إلا بسحب ورقة الاقتصاد..
فقد قيل: إن السياسة والاقتصاد وجهان لعملة واحدة، ولكن هذا التمثيل مناسب للمعنيين بمسيرة الدولة والحكم .. وهي نظرة ضيقة نسبيا، وكانت نظرتنا أفسح وأرحب جانبا إذ أننا تمحورنا في الطرح بمحور " الحق " الذي يمكننا من لقطات فضائية تكون الدولة والحكم نقطة أو لقطة واحدة في مشاهد الجو لا أزيد، فوجب استبدال هذا القول بأن الفضيلة العبادية، والطريقة السياسية، والأمان الاجتماعي، و الخطة الاقتصادية هي أضلاع متساوية لمربع واحد وهو " الحق " و" الاستحقاق".
موضع الاقتصاد من الإسلام:
إن تورق التراث الإسلامي يورث اليقين للباحث بأن الاقتصاد جزء لا يثلم من تعاليم هذا الدين وصورة ذلك في مرايا الفقه والحديث في أعلى درجات النقاوة !
أما عن الفقه فقد جاء ثلاثة وثلاثون بابا تغلق وتفتح على الدوام أمام منابع الاقتصاد، وطرق النظام المعيشي، أمثال كتاب:التجارة، المضاربة، القروض[وهذه تدخل في البنوك]، والمزارعة، والشركة، والضمان، والوكالة، وإحياء الموات...مما يجعل أخصائي الاقتصاد وعلمائه ــ الإسلاميون منهم طبعا ــ مجرد فنيين أمام الفقيه يقومون بتشخيص الواقع والإشارة إلى الموضوعات الخارجية .
وأما عن السنة المطهرة فحدث (لا سائل ولا مسؤول) ولا أراني أقول عنها أنها نصوص حض وتحريض على المشاريع التجارية والاقتصادية؛ إذ لعلّ ذلك جزء من معناها فقط ، ولكنني أصفها لك بأنها أحاديث إدانة وجلد لمن عزف عن التجارة رغبة عنها لا ضعفا في البدن ولا قصورا في ذات اليد..
ونكتفي بطائفة يسيرة من تلك النصوص:
1 قول الصادق عليه السلام:"" ترك التجارة مذهبة للعقل""
2 يتحدث أسباط بن سالم قال سأل أبو عبد الله عليه السلام يوما عن معاذ بياع الكرابيسي؟ فقيل ترك التجارة..فقال عمل الشيطان من ترك التجارة ذهب ثلثا عقله "" !
3 وعن النبي صلى الله عليه واله "" إن أصنافا من أمتي لا يستجاب لهم دعاؤهم رجل يدعو على والديه، رجل يدعو على غريم ذهب بماله فلم يكتب له ولم يشهد عليه، ورجل يدعو على امرأته وقد جعل الله تخلية سبيلها بيده ورجل يقعد في بيته ويقول: يا رب أرزقني..."".
فالدعاء باب تطرقه نعم .. تفتحه لا!!
فهو سيفتح لك إذا أمسكت جيدا بعضادتيه وهما عضادتا " لعل " و " عسى " فيفتح لك ويؤذن عندما تقدم في موعدك، ولا موعد للمقصرين في حظوظ الدنيا أي أن كثيرا من الأمراض والأعراض يدعا بزوالها حيث لا ينفع الدعاء، إذ أن المصاب هو المصوّب والمقتول هو القاتل ؟!!
الفلسفات الاقتصادية:
من أشد صور الاختلاف بين أصحاب المنابر الفكرية خلافهم في تعميم المفاهيم وتخصيصها .. وكلما كان المفهوم على صلة بالغريزة كلما كان السجال فيه أعنف بأسا وأشد ضراوة فكما تعددت القراءات في الغريزة الجنسية وفي غريزة الحب ووو... قد تعددت أيضا وجوه الفهم لغريزة الملكية وتخاصمت فيها خمسة مذاهب هي:
الأول الرأسمالية: تجمع الثروة في يد قلة معدودة من التجار والملاكين والاقطاعيين، ويحرم منها جماهير الكادحين فهو استثمار القلة للكثرة دون أن تحصل الكثرة على نتائج عملهم !
الثاني الشيوعية: وهي منسجمة في طبيعتها مع الرأسمالية بفارق أن الثروة هنا تجمع للدولة فهي التي تستأثر وهي التي تستثمر الكثرة .
ففي كلا النظامين تسلب من يد المنتج القدرة على التصرف وينتقل هذا الحق بالمطلق إلى الجهة المميزة ؟!
الثالث الإشتراكية: مذهب متوسط بين الفلسفتين (الرأس مالية والشيوعية)، فهو يخصص بالدولة منابع الثروة العامة كالأرض والبحار والمعادن والمعامل الكبيرة ويبقي للشعب ما تبقى من التجارة والمعامل الصغيرة.
ونضع هنا شريط استعراض لهذه الثورات الاقتصادية الثلاث:
إن العمال في الدولة يعملون للرأس مالي وفي الشيوعية يعملون للدولة وأما في الإشتراكية فيعملون بعضهم للتاجر وبعضهم للدولة .
الرابع التوزيع:فالأرض والمنابع الطبيعية حق للإنسان بالقدر الذي لا يفوت الفرص على الاخرين وشرط آخر أن يعمل فيها، فإذا تركها صارت من المباحات الأصلية ورجعت إلى الحالة الطبيعية، وكذا إذا فوت الفرص على الآخرين، كان الزائد على حقه للآخرين لأنه غاصب متلبس في هذه الصورة، فالمفروض هو تكافؤ الفرص ولا يحق لأحد أن يستثمر أحدا حتى الأرث يمنع لأنه نوع استثمار؟!
و الغاية من كشفنا أوراق هذه الزعامات الاقتصادية هو التعريف وليس النقد الذي لا يتحمله الوقت المتاح معكم، ولكنني لا أتنازل عن الإشارة إلى وضوح سلبية الإجحاف في كل هذه المستويات الأربعة.. ووضوح أنها تعمل بقانون "" ليس للإنسان إلا بض ما سعى ""!
واللافت هنا أن هذه المدارس البشرية تشترك في ضرورة ألا ينفرد الإنسان ولا يستقل عن غيره مطلقا، بل لا بد أن يعود سعيه بشيء على الحياة وشركائه فيها، وقد تقدمت كل مؤسسة بسياسة لا تخلو من إضرار إما بالمصالح العامة أو الخاصة أضرارا تموت معها همة العمل، والشوق إلى الكفاح، وتنتشر الكراهية، ويتزعزع الأمن الاجتماعي ؟!
ثم إنه بقطع الكلام عن نقطة التفاوت بينها فإننا نركز على نقطة الاشتراك، فإن تلاقي هذه التوجهات فوق نقطة التقاء واحدة يقترب بها من منبع الفطرة !! ولذالم تختفي هذه النقطة حتى في الفلسفة الإقتصادية الإسلامية، لذا نعود إلى خامس الدعاوى الإقتصادية في العالم وأقدمها وهو:
الخامس الإسلام: فمضافا إلى الشمولية التي تكونت منها مجموعة أبواب الفقه ــ وإشارة ذلك فيما تقدم ــ فإن الطريقة الإسلامية قننت الضرائب بالتساوي فالجزية، والزكاة، والخمس، لا تقوم على أساس طبقي وإنما ترتبط بالنصاب أو الحول أو تقدير الخبراء والشامل لمجموع الناس كما أن الملكية ثابتة لا يراها صاحبها متزلزلة في يده كما لو كان محكوما بتلك الحكومات، بل هي راسخة له في حكومة الإسلام.
وإن دراسة قانون الإسلام في الحيازة، والوراثة، و ملكية العين، والمنفعة، والفكر، والضمان شاهد حق على ذلك .
هل ينضم الإسلام إلى النقطة المشتركة:
إن الدين الإلهي الخاتم أيضا يلتقي مع تلك الخطابات الإقتصادية الناشئة على أهيمة أن يكون هناك " سيد الملك " والقاهر على المالكين في العالم ولكنه لم يعينه في الدولة وحدها، ولا في الجماهير فقط ، ولا سواهما بل عينه في شخص الإمام بالحق..
و هي ملكية بمعنى النظارة على تسيير النظام والأمانة على القانون فيأخذ لقاء ذلك سهما فهو كالمدير الذي تجتمع بيده موارد الشركة ثم يقسم الأرزاق بين موظفيه و يستثني التأمينات وياخذ منها نصيبا لنفسه فهو وإن لم يعمل ولكن يستحق لقاء جهده الفكري و موقعه السلطوي الذي يمكنه من الرقابة .
تاريخ التجاذب بين المنحى الإسلامي وغيره في الإقتصاد:
وقد كان أول تبديل أقتصادي في تاريخ الإسلام صدر عن دستور بعض الخلفاء الذين صرفوا أرث رسول الله صلى الله عليه واله عن بنته ونسائه وقد فزعت من هذا التغيير السيدة فاطمة بنت الهدى وهدرت من لسانها الحجج في تزييف هذا التصور قالت:""...ونصبر منكم على مثل حز المدى ووخز السنان في الحشا... وأنتم تزعمون أن لا إرث لنا أفحكم الجاهلية تبغون... يا ابن أبي قحافة أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي... "".
وهذا ما نرى فيه النظرية التوزيعية القديمة في هذا الخصوص (الإرث)، بينما نرى الشكل القديم للرأسمالية في الطريقة التي بني عليها بيت المال.. عندما رجع [عمر وعثمان] إلى حساب التفاضل في العطاء، في حين وقف النبي صلى الله عليه واله يساوي في العطاء إلا أن من اعتاد على التفاضل ورأى فيها ما يحقق له الفوقية على هام المسلمين خلق العداوة والحروب ضد علي عليه السلام الذي شمر عن ساعدي الإخلاص لسنة رسول الله صلى الله عليه واله واستعد لاسترداد سياسته؛ لأن العطاء قد شرع في قبال الانتماء للإسلام والولاء للدولة، وطاعة أوامرها، والتهيؤ للجهاد في ساحة الدفاع عنها.
جديد الموقع
- 2024-05-09 ما بعد الوظيفة (2)
- 2024-05-09 ناصر الجاسم.. في مجموعته القصصية «العبور».. القاص المسكون بهاجس من ذاكرته الشعبية.
- 2024-05-09 كيف يصرح الأديب بحبه
- 2024-05-09 (التعويض عن الضرر المعنوي في النظام السعودي)
- 2024-05-09 الدفاع المدني بمنطقة القصيم تكرم الإعلامي زهير الغزال
- 2024-05-08 جامعة الملك فيصل تشارك في مؤتمر ومعرض الشرق الأوسط لهندسة العمليات 2024 بالظهران إكسبو
- 2024-05-07 فاطمة السحاري : لا يسعفني قلمي ولا وجعي .. فالمسافر راح .. فرحمة الله تحتويك يا "البدر"
- 2024-05-07 الخريف يرعى تكريم اللجنة المنظمة للنسخة الثالثة لـ حرفيون
- 2024-05-07 ضمن برنامج الاحتفاء بأسبوع الأصم العربي ٤٩
- 2024-05-07 أهمية الكتب الورقية: لماذا الكتاب الورقي الذي يحمله الطفل بيديه أفضل من الكتاب الذي يقرأه على الشاشة؟
تعليقات
بو هادي
2013-04-01شكرا سماحة الشيخ اقف لك اجلال واحتراما لهذا الطرح الراقي والمتميز عودتنا في محاضرات لكل شيء جميل لقد داب الكثير لطرح موضوع الظلامة ونسوا ما طرحته من قيم ودروس للسيدة الصديقة الزهراء (ع) بارك الله فيك واثابك الله .