2021/08/26 | 0 | 2913
مراسم عاشوراء
سوف نستعرض في هذه المقالة الطبيعة العاشورائية التي يمارسها شيعة أهل البيت عليهم السلام في خصوص أيام الأحزان (محرم وصفر) وخصوصا الأيام العشرة الأولى من المحرم، وسنناقش مشكلة تمر على اتباع هذه الطائفة محللين ومستقصين أبرز الالتقاء بين عموم المسلمين في هذه الشعائر؛ حتى نخلص إلى أنها أمور محثوثة عليها شرعا أولا، وثانيا الطبيعة التلقائية أو ردة الفعل الطبيعية لهذه الممارسات. ويوجد عندنا محاور ثلاثة:
الأول: فلسفة بكاء النبي وأنه ذو طبيعة حجاجية
الثاني: تخصيص يوم للحزن
الثالث: شعارات الحزن
تضافرت الروايات الدالة في البكاء على مصاب أهل البيت عليهم السلام عامة وعلى الحسين خاصة. وسنتحدث عن طبيعة ذلك البكاء، هل كان ممارسة النبي للبكاء بدافع العاطفة؟ أم أنه أراد توصيل رسالة لهذه الأمة؟.
لقد وهب اللهُ الإنسانَ في عينه قناة دمعية وهذه القناة تفرز بشكل طبيعي، ويعرف بالجهاز الدمعيLacrimal system، ويقع هذا الجهاز يقع في" طرف العين الخارجي ثم فتحتان دقيقتان في نهاية كل جفن من ناحية الأنف" (1)، وهي عملية تبرز بفعل عوامل يكشفه الموقف والأثر الذي سببته وأسميناها بطبيعة البكاء، التي إن نظر إليك الآخر تساءل عن السبب، فما هو ذلك السبب؟ فالأسباب متنوعة فمنها:1)مرضي: كالإفراز المفرط. .(2) 2)طبعي: كالبكاء حين تقطيع البصل فإن له مادة تهيج العين تنطلق مركبات سلفوكسيدات وإنزيم اكتشفه باحثون يابانيون في عام 2002. (3) 3)عكسي (نحو الافراط في الفرح والضحك) وغالبا يكون ظاهره الشماتة كما روي عَن ابْن عون قالَ بشرت إبْراهِيم النخعي بِمَوت الحجّاج الثقفي فَبكى وما ظَنَنْت أحدا يبكى من الفَرح (4)، 4) النفاق والتملق وقد شبه هذا النوع في الآداب العالمية بدموع التماسيح (5)، وكقوله تعالى حكاية عن إخوة يوسف( وجاؤوا أباهم عشاءً يبكون).5)اختياري غير متعمد: كالوقوع في مصاب (فقد عزيز مثلا).6)أو اختياري متعمد بإثارة العاطفة كمشاهدة الأفلام السينمائية وقراءة القصص المحزنة.7)احتجاجي: وتارة يشكل غرض وفائدة على نحو الانفراد. 8) وأخرى احتجاجي ويشكل من ورائه فائدة وغرض كبيران.
السؤال: من أي أنواع بكاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم على الحسين خاصة ومصاب أهل البيت عامة كما أخبرتنا به الروايات الكثيرة والمتعددة؟ الجواب: (1-2-3-4)لا يمكن واستحالته ولا يحتاج إلى تدعيمه بدليل. بينما(5)ربما؛ لكن بكاء النبي هنا غير منتج لعدم الوقوع في المصاب كبكائه على الحسين ولا غيره، فحال هذا السبب كمن يبكي في دار الدنيا خوفا من النار وهو يعصي. بينما(6) ومثاله ما يدور في you tube وغيره عند البعض التي تروى قصة مقتل الحسين عليه السلام فيبكي ويبكي من حوله. وهو مأجور طبعا لكنه لا يفي بالغرض، فهو راوي أحداث، وطبيعيا أن يتسبب ذلك بالألم والحسرة.
وأما على نحو(7) الاحتجاج والغرض فردي كصنيع الشاعرة الخنساء (تماضر بنت عمرو) في رثائها لأخويها معاوية وصخر، فهي عادة عربية لغاية الثأر؛ بدليل أنها لمّا أسلمت خفت تلك الثائرة، حتى عندما استشهد أبنائها الأربعة في القادسية لم تهتم بذلك إلا بالثناء والحمد والاحتساب لله (6)، فلبم يبق لنا إلا (7) الاحتجاج الذي يشكل فائدة وغرض كبير وسامٍ، كصنيع النبي يعقوب عليه السلام حين بكائه على يوسف مع علمه ببقاء يوسف الا أن القرآن لخص الحجاج (وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم)التي تنبئ أن أخوة يوسف لم يستفيدوا من ميل يعقوب لهم واوقعهم في الندم طوال مرحلة الغياب. وتوجد أدلة لذلك منها: قول الكبير عند فقدان أخيهم الثاني (مافرطتم بيوسف وأخيه فلن ابرح الارض) وقول يعقوب (اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه)(7). ومن هذا الباب يقع بكاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما استفاد منه أصحابه الذين لا يرون منه إلا التأسي والسير على خُطاه فقد كانوا يبتسمون إذا ابتسم ويبكون إذا بكى، ومن الشواهد نعيه برفيع الصوت حتى يبكي من حوله:
-بكاؤه على ابنه إبراهيم لما دفنه وقف على قبره، فقال: " يا بني القلب يحزن، والعين تدمع، ولا نقول ما يسخط الرب، إنا لله وإنا إليه راجعون، يا بني قل: الله ربي، والاسلام ديني، ورسول الله أبي " فبكت الصحابة وبكى عمر بن الخطاب بكاء ارتفع له صوته.(8)
- بكاؤه على شهداء مؤتة، فعن أنسٍ أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نعى زيدًا وجعفرًا للناس قبل أن يأتيهم خبرهم، فقال: أخذ الرَّايةَ زيدٌ فأصيب، ثم أخذ جعفر فأصيب، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب - وعيناه تذرفان.
-بكاؤه عند زيارة القبور كزيارته لقبر أمه، فعن أبي هريرة قال زار النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله، فقال: استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أَزورَ قبرها فَأذِنَ لي، فزورُوا القبور فإنها تذكركم الموت.(9)
وقد فهم من فهم أن النبي يريد منّا أن يستلهمنا عظمة أولئك وشرافة مكانهم عند الله تعالى وعند الإسلام، حتى إبراهيم ولده الصغير الذي بموته كان كبيرا عند الله تعالى، فقد ذكر العامة والخاصة أنه لو بلغ لأصبح نبيا (10)، فالندب والبكاء الذي صنعه النبي كان فعلا حجاجيا لتحقيق غرض أسمى وهو رمزية أولئك للخلود وعزة الأمة، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم لما رَجَعَ مِن أُحُدٍ فَجَعَلَ نِساءُ الأنْصارِ يَبْكِينَ عَلى مَن قُتِلَ مِن أزْواجِهِنَّ قالَ: فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ:" ولَكِنَّ حَمْزَةَ لا بِواكِيَ لَهُ" قالَ: ثُمَّ نامَ فاسْتَنْبَهَ وهُنَّ يَبْكِينَ قالَ: "فَهُنَّ اليَوْمَ إذًا يَبْكِينَ يَنْدُبْنَ حَمْزَةَ" وهَذا عَلى شَرْطِ مُسْلِمٍ"(11) أي أصبح عادة بأن تندب المرأة الأنصارية الحمزة قبل عزيزها، حتى تصل لمواساتها للنبي، يقول الواقدي وهو متوفي سنة (207هــ): فلم يزلن يبدأن بالندب لحمزة حتى الآن (12)، ولأنها مواساة اتخذت فاطمة سيدة النساء فاطمة عليها السلام لمثوى الحمزة وتربته ذكرى دائمة لعبادتها، فعن الإمام الصادق عليه السلام قال : إن فاطمة بنت رسول الله كانت سبحتها من خيط صوف مفتل معقود عليه عدد التكبيرات، وكانت تديرها بيدها تكبر وتسبح حتى قتل حمزة بن عبدالمطلب فاستعملت تربته وعملت التسابيح فاستعملها الناس، فلما قتل الحسين صلوات الله عليه عدل بالأمر إليه فاستعملوا تربته لما فيها من الفضل والمزية". (13)
حتى أصبح معروفا قبل مقتله بالبكاء عليه كالرواية التي يرويها أبو نعيم الأصبهاني عن الأصبغ بن نباتة أن الإمام علي عليه السلام قوله عندما وصل إلى موضع قبر الحسين "ها هُنا مُناخُ رِكابِهِمْ ومَوْضِعُ رِحالِهِمْ وها هُنا مُهْراقُ دِمائِهِمْ فِتْيَةٌ مِن آلِ مُحَمَّدٍ ﷺ يُقْتَلُونَ بِهَذِهِ العَرْصَةِ تَبْكِي عَلَيْهِمُ السَّماءُ والأرْضُ". (14)
فخلاصة الأمر: أن البكاء على مصاب أهل البيت عليهم السلام أمر محثوث عليه، ورجحانه بحيث لو كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم موجودا لما نهى عنه. ولكن: إذا كان البكاء مشروعا، فهل البكاء في زمان مخصوص مشروعا؟
وهذا أحد الانتقادات التي توجه للشيعة بتخصيصهم أيام للحزن وأيضا للفرح، ولا يعد هذا الصنيع راجحا؛ لأن السلف لم يفعلوه.
وهذا أيضا غير صحيح فقد مر بنا أن نساء الأنصار كن بندب سيد الشهداء الحمزة حتى القرن الثالث كما هو عن الواقدي واستمر عندنا بصنيع فاطمة من (3هــ إلى عام 60هــ) أي حدود سبع وخمسين سنة. ولكن السؤال مع رجحان هذا الأمر فهل ينبغي تخصيص أيام معينة في السنة لانعقاد مجالس الحزن والبكاء؟
تأتي هذه الشبهة للحد وتقليل شأن ما صنعه الأسلاف من مصائب في حق أهل البيت عليهم السلام بالخصوص، ومن أشد المعارضين لذلك ابن تيمية الذي يقول:" وصار الشيطان بسبب قتل الحسين (عليه السلام) يحدث للناس بدعتين: بدعة الحزن والنوح يوم عاشوراء من اللطم والصراخ والبكاء والعطش وإنشاد المراثي، وما يفضي إلى ذلك من سب السلف ولعنهم، وإدخال من لا ذنب له مع ذوي الذنوب، حتى يُسَبَّ السّابِقُونَ الأولون، وتُقْرَأ أخْبارُ مَصْرَعِهِ الَّتِي كَثِيرٌ مِنها كَذِبٌ. وكان قصْد من سَنَّ ذلك فتح باب الفِتْنَةِ والفُرْقَةِ بَيْنَ الأُمَّةِ" (15)، وهذا كلام مردود عليه فإن أقل الناس اطلاعا على كتب التاريخ يظهر له حسنات وسيئات السابقين، لكن مغزى كلامه أمران: الأول: قصْر المعرفة على مرجعيات وذهنيات معينة أي على خطه وتوجهاته، والثاني وهو الأهم: انعقاد المجالس في زمن ويوم معين.
إن تاريخ الأمم من دون استثناء حتى المتهمة بالجهل والبدائية تأرخ وتمجّد لقاماتها وتعتبره مثالا يحتذى به، ولا فرق بين تاريخ انتصار أو تاريخ حزن وأسى، وتعتبر ذلك من الصلة والوصل، ومن تلك الأمم أمة العرب الجاهلية ففي مكة لهم عادة أنه " إذا مات لهم سيد كبير أغلقوا أسواقهم إعظاما لموته، وتعبيرًا عن تقديرهم له. فغلق الأسواق عند الجاهليين عند وفاة رجل خطير من أمارات التقدير والتعظيم" (16)وهذه العادة ظلت باقية في الإسلام كما حدث في مصيبة سيد الشهداء الحمزة، وسيد الأوس سعد بن معاذ الذي قالوا عن موته بالمدينة أنه يوم مشهود، والتي ظلت هذه الذكرى إلى سنوات و" لقد كان صحابة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إذا ذكروا سعدًا بكوا بكاءً شديدًا على تلك السيرة التي فقدت (وقد ظل ذلك إلى أحفاد سعد كما يروي) الإمام أحمد في كتاب: فضائل الصحابة بإسنادٍ صحيح، عن واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ (حفيد سعد بن معاذ) قال: دخلت على أنس بن مالك، فقال لي: من أنت؟ قلت: أنا واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ فقال أنس: إنك لـ سعد لشبيه، ثم بكى وأكثر البكاء" (17)، فأين هي المشكلة حين نضع تقويما خاصا للأحزان والأفراح، وعلى اعتبارها (بدعة) لأن النبي لم يصنعها فهذا أيضا مردود، فأولا: لو دُعي النبي لصنيع مثل ذلك لأجاب؛ لاشتماله على دعوى عظيمة منها تذكير الأمة بأمجادها، ومشيديها لأجل الإصلاح وإعلاء كلمة الإسلام، وهو القائل في حلف الفضول فقد تحالف بعض القرشيين كبني هاشم وزهرة اجتمعوا فــصنعوا لهم طعاما وتعاهدوا في شهر ذي القعدة "على ألا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها، وغيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلّا قاموا معه؛ وكانوا على من ظلمه حتى تردّ عليه مظلمته. (وقد) قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "ما أحبّ أنّ لي بحلف حضرته في دار ابن جدعان حمر النّعم... ولو دعيت (لمثله)به لأجبت ". (18) وثانيا: اتفاق الأمة بأنه إذا حصلت مصيبة كبرى تذكر هذه العبارة (كيوم مات فيه النبي) كفقد أو مصاب فقد قيلت عندما خرج الحسين عليه السلام من المدينة إلى كربلاء فقلن له نساء بني عبد المطلب فلمن نستبقي النياحة والبكاء فهو عندنا كيوم مات رسول الله صلى الله عليه واله وعلي وفاطمة ورقية وزينب وأم كلثوم" (19) وقيلت في سنة88هــ عندما هدم الوليد بن عبد الملك بيوت أزواج النبي وبيت فاطمة بهدف التوسعة و" قد شق ذلك على المسلمين، وهذه حُجَر قصيرة السُّقوف... وتَرْكُها على حالها أولى؛ لينظر الحجاج والزوّار والمسافرون إلى حُجَر أزواج رسول الله ، وعيش رسول الله، فينتفعون بذلك، فلم يُجبه الوليد.. فلما شرعوا في الهَدْم صاح الأشراف ووجوه الناس من بني هاشم وغيرهم صيحةً واحدة، مثل يوم مات فيه رسول الله، وقال حبيب بن عبد الله بن الزبير: ناشدتك الله أن تهدم آية من كتاب الله (إنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِن وراءِ الحُجُراتِ)" (20) فالأحداث لكيلا تنسى، لا بد من اعتماد تثبيتها، وإقامتها في أوقاتها في السنة أولى وأكثر للتنظيم والارتباط، ومن تلك الأحداث:
رووا أن صيام الاثنين من كل أسبوع كان لأجل علة أن " فِيهِ وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم وفِيهِ أُنْزِلَ عَلَيْهِ ابْتِداءُ الوَحْيِ".(21)
وقد ترك الإمام علي عليه السلام الخضاب لإقامته الدائمة على مصاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرة، وانتظارا للشقي ابن ملجم أن يخضب لحيته بدم رأسه" (22)، فقد ذكر في الوسائل أنه:" قيل له: لو غيرت شيبك يا أمير المؤمنين، فقال: الخضاب زينة ونحن قوم في مصيبة، يريد برسول الله صلى الله عليه وآله" ولذا فهم جماعة من الشيعة أن في ترْك الخضاب سنة كما هو عند الإمام السجاد عليه السلام "وإن تترك فلك بعلي سنة". (23)
وأعظم المناسبات التقويم الهجري والذي يعد الاهتمام به من " إظهار لشعائر الإسلام، وخواصه بين من يجهله" (24)، مع أنه لم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والسؤال كيف نأرخ بالتاريخ الهجري، مع أن هجرته المباركة حصلت في شهر ربيع الأول؟ وهذه إحدى العلامات أن الصحابة رأوا أن شهر ربيع الأول يحمل أمورا هامة من ضمنها ميلاده وهجرته ووفاته، فاقترحوا اختيار شهر محرم، أتدري ما السبب؟ للتذكير فقد اختاروا يوم هجرته من دار الشرك، وبدأوا بالمحرم لأنه حصلت فيه مناسبة عظيمة وهي مبتدأ الهجرة ببيعة العقبة الثانية المشهورة فناسب التقويم الهجري بمحرم و" أخَّروه من ربيع الأول إلى المحرم لأن ابتداءَ العزْمِ على الهجرة كان في المحرم، إذ البيعة -أي بيعة العقبة الثانية- وقعت أثناء ذي الحجة وهي مقدمة الهجرة، فكان أول هلالٍ استهل بعد البيعة، والعزم على الهجرة هلال المحرم فناسبَ أن يجعل مبتدأ، وهذا أقْوى ما وقفتُ عليه من مناسبةِ الابتداء بالمحرم". (25)
ومن الأمور الشائعة في البلاد العربية لبس العقال الأسود فقد كان حدادا يفوق 700سنة عندما انهزم جيش المسلمين في معركتهم ضد الأفرنج فكان جيش المسلمين مكون من جنود وقادة وكان لباسهم "عمامة توضع على الرأس وشكلها الهندسي مطابق تمامًا لشكل (الشماغ والغترة الآن) وفائدتها مس الوجه وحماية الجندي من حرارة الشمس – خصوصًا أنهم يلبسون فوق رؤوسهم (الخوذة) وهي من الحديد طبعًا وأعداد كبيرة من الجيش أتت عن طريق شمال أفريقيا.وخوذة من الحديد لحماية الرأس تلبس فوق (العمامة).فكان لبس كل الجيش بهذه الطريقة، وأصبحوا يتشابهون إلى حد كبير، إلى درجة أنه لم يكن أحد يستطيع أن يفرق بين الجندي العادي والقائد الميداني ، وقتها اقترح أحد القادة الميدانيين على القيادة العامة أن يعصب القادة الميدانيين رؤوسهم بعصابة بيضاء يكون مكانها هو التقاء العمامة مع الخوذة، وقد وافقت القيادة العليا على ذلك وأصبح من السهل معرفة القائد الميداني من الجندي العادي.ثم بدأت المعارك بين المسلمين والصليبيين وبدأ المسلمين ينحسرون من الأندلس حتى خرجوا للأسف نهائيًا من الأندلس، ورغم كل المحاولات الجادة والمستميتة التي بذلها المسلمين لاستعادة الأندلس إلا أن تلك المحاولات بائت بالفشل وخسروا الأندلس، وعندها عم الحزن جميع المسلمين في كل أنحاء الأرض، وبدأ القادة الميدانيين بخلع الخوذة وإبقاء (العمامة) واستبدال العصابة البيضاء التي كانت تميزهم بعصابة (سوداء) حزنًا على خسارة الأندلس، بل أنهم أقسموا بعدم انزال هذه العصابة السوداء حتى يتم استعادة الأندلس، وعاد هؤلاء القادة الميدانيين إلى أهلهم في شمال أفريقيا ومصر والشام والعراق وجزيرة العرب وهم يلبسون هذه العصابة السوداء، وحينما عرف الناس لماذا لبس القادة الميدانيين هذه العصائب السوداء لبسوها أيضًا وأقسموا بعدم انزال هذه العصابة السوداء حتى يتم استعادة الأندلس، ومع مرور الوقت وجيلًا بعد جيل تحولت هذه العصابة السوداء إلى العقال الذي نلبسه الآن…فأي شخص يرتدي العقال إنما يعبر عن حزنه على فقد الأندلس ولكنه لا يدري". (26)
وكثيرة هي الأمثلة، ولكن أين الخلل إذا الأمة تحيي ذلك حتى على غير شعور منها؟ الجواب: أنهم التزموا بالمقدمات الصغرى وتركوا المقدمات الكبرى كما في علم المنطق وهو ما يسمى بالخلل المنطقي، فهو يستشعرون الحزن لفقد عظماء الأمة ورجالاتها، ويؤرخون لمواليدهم وكل صغيرة وكبيرة من أحداثهم، ولكنهم لا يعترفون بالمقدمة الكبرى وهي قاعدة عقلية مؤيدة من القرآن والسنة، وهي التي ميزت الشيعة عن غيرهم وهي (رحم الله شيعتنا، خلقوا من فاضل طينتنا، يفرحون لفرحنا، ويحزنون لحزننا) وقد وردت في عشرات المصادر وبأسانيد متعددة فراجع (27)، فالقياس يكون هكذا: إن كان فلان شيعيا، فيجب أن يفرح لفرح أهل البيت. لكنه شيعي. فيجب أن يفرح . (28)
(أو) فلان يحزن لمقتل الحسين وكل من يحزن لمقتل الحسين شيعي ففلان شيعي (29)
فهذه القاعدة واضحة ومشهورة وإن روت عن طريق الآخرين على سبيل الوجوب والنصح في عشرات المصادر القديمة والحديثة فمثلا (بل يجب على المؤمن أن يكون محبًا للمؤمنين والمؤمنات، بأن يحب لهم ما يحب لنفسه، وأن يفرح لفرحهم، وأن يحزن لحزنهم) (30)
يقول الرضا عليه السلام:" كان أبي إذا دخل شهر المحرم لا يرى ضاحكا وكانت الكآبة تغلب عليه حتى يمضي منه عشرة أيام، فاذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه ويقول: هو اليوم الي قتل فيه الحسين صلى الله عليه". (31)
وبالرغم من ضعف رواية "ما من عبد يبكي يوم قتل الحسين إلا كان يوم القيامة مع أولي العزم من الرسل" واعتبروها من الموضوعات (32)، لكن أثر يوم عاشوراء واضح عند جماعة كبيرة منهم، كقول القاضي أبو إسحاق إبراهيم بن نصر بن عسكر العراقي –قاضي السلامية من أرض الموصل- (33)
يا يوم عاشوراء أذكرتني … مصارع الأشراف من هاشم أبكي ولا لوم على من بكى … وإنَّما اللَّوم على اللاَّئم ما من بكى فيك أشدَّ البكا … وناح بالعاصى ولا الآثم رزية ما قام في مثلها … نائحة تندب في مأتم
لكن، هل من الممكن أن يكون شعار الحزن هو البكاء فقط، أم يوجد أشياء أخرى حُث على إتيانها؟ وعن الإجابة عن ذلك أننا نعرف أن الأغراض الشعرية التي ينظم الشاعر فيها معروفة مثل المديح والرثاء والهجاء والفخر، ومنها أيضا الغزل وهو وصف الشاعر لمحبوبته سواء عف أو فحش، لكن يبلغ ذلك الغزل درجة تحس أن الشاعر أصابته نوع من فقدان الشعور و الشهية، فيصاب بالنحول والذبول والصُّفرة، وهذا الألم لا يفرق بين أحد، فقد أصاب من استشعر حب الله تعالى عندما لم يجدوا محبوبا حقيقيا غيره تعالى، فكتبت أشعار تنم عن هذا الفراق "فإذا أقبل البشر على حب هذا الجمال الفاني فقد ضيعوا فرصة اكتساب الجمال المعنوي" (34)، وهذه الفلسفة هي التي تعجب منها الإمام أمير المؤمنين عليه السلام عندما تفرس في وجوه بعض شيعته فقال" مالي لا أرى عليكم سيماء الشيعة؟! قالوا: وما سيماء الشيعة يا أمير المؤمنين؟! قال: صفر الوجوه من السهر، عمش العيون من البكاء ،حدب الظهور من القيام ... " (35)، وهذا الأثر هو الذي كان أصحابه عليه السلام أمثال عمار بن ياسر وحبيب بن مظاهر وغيرهم وخير مثال كما روته أرباب السير في أصحاب الحسين عليه السلام أنهم كانوا يتلذذون ولم يرهبوا شيء كقول برير بن خضير: "والله لقد علم قومي أني ما أحْبَبْتُ الباطِلَ شابًّا ولا كَهْلًا، ولَكِنْ واللَّهِ إنِّي لَمُسْتَبْشِرٌ بِما نَحْنُ لاقُونَ، واللَّهِ ما بَيْنَنا وبَيْنَ الحُورِ العِينِ إلّا أنْ يَمِيلَ عَلَيْنا هَؤُلاءِ فَيَقْتُلُونا" (36) فهذا الإحساس وغيره كان منبعه ليس الصلة المباشرة مع الله تعالى وإنما هي معرفة حق الإمام؛ لأن نفس الصفات كانت هي هي للخوارج "َلهُمْ دَوِىٌّ كَدَوِىِّ النحلِ مِن قراءةِ القرآنِ، وِإذا فِيهمْ أصْحابُ النَّقَباتِ وأصحابُ البَرانِسِ، فلمّا رأيتُهُمْ دَخَلَنِي من ذلكَ شِدةٌ" (37)، فما المانع أن يكون حب الله تعالى مع حب أوليائه كالرسول وأهل بيته في طول بعض، أليس الله تعالى يقول" قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله" (38)، وإذا قلنا سابقا أن البكاء وتخصيص أيام عزاء لا يمنعه شيء، ولا بدعة فيه؛ لأنه يحمل أغراضا سامية من ضمنها ترسيخ وتمجيد قادة هذا الدين الذين علوا شأنه.
فأول ما يطلعنا من ذلك التخصيص: المجالس وهي دلالة مكانية فائدته انعقاده بذكر ما جرى على أهل البيت من مصاب، والبحث والمطالعة لذكر فضائلهم ومحاسن أخلاقهم والذب عنهم برد الشبهات، وتعتبر تلك من مجالس الذكر التي حث على إقامتها، ولا يوجد مانع أو محظور عقلي فضلا عن الشرع، فقد قال أبو عبد الله عليه السلام للفضيل تجلسون وتتحدثون؟ فقال: نعم، فقال: إن تلك المجالس أحبها، فأحيوا أمرنا، فرحم الله من أحيى أمرنا" (39)، والذي يرفع المنع أن كتب المسلمين مليئة بالمجالس وهي مختلفة الأنواع فقد قالوا أن "من مظاهر النشاط اللغوي في المدينة أن العلماء كانوا يعقدون المجالس اللغوية كما عقدوها للتفسير والحديث والفقه، ومن المجالس التي كانت تعقد للغة مجالس ابن عباس، وأبي الزناد، وابن هرمز، ومروان بن سعيد المهلبي وغيرهم.وكانت العلوم الشرعية واللغوية تتداخل في تلك المجالس، قال عمرو بن دينار: «ما رأيت مجلسًا قط أجمع لكل خير من مجلس ابن عباس للحلال، والحرام، وتفسير القرآن، والعربية، والشعر، والطعام" (40)، يقول الصفوري(ت894هــ) في مقدمة كتابه "أقدم قبل الشروع في المقصود ما نقله غير واحد عن أبي القاسم الجنيد رحمه الله تعالى أنه سئل عن حكايات الصالحين فقال هي جند من جنود الله تعالى يقوم بها أحوال المريدين ويحيي بها معالم أسرار العارفين ويهيج بها خواطر المحبين ويجري بها دموع المشتاقين قيل فهل على ذلك من دليل قال نعم قوله تعالى "وكلاً نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك" فأجبت لقول النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة أن أجمع ما تيسر من أخبارهم وما اشتملوا عليه من العبادة في ليلهم ونهارهم وأن أطرز ذلك باللطائف والفوائد السنية والزواجر للنفوس الغوية من المواعظ القوية مع ما أذكره من المسائل الفقهية والمنافع الطبية وقطرة من مناقب خير البرية من هو حي في قبره حياة حقيقية وفاته في ضريحه المكرم على العرش طرية وأزواجه وأصحابه وأمته المرضية" (41)فهو يعترف أن انعقاد المجالس أمر في غاية الأهمية، إن لم تكن واجبة على الأمة.
الأمر الثاني البكاء فعن أبي عبد الله عليه السلام قال: "من ذكرنا عنده ففاضت عيناه ولو مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر" (42)وقد مر بنا ذلك، لكن الشيء الجديد ظهور مصطلح( التباكي) وهو اصطناع البكاء، وإجبار النفس على استشعار الحزن "مَن بكى على الحسين أو أبكى أو تباكى ، وجَبت له الجنّة" (43)، وقد دارت حول هذا المصطلح تأويلات كقولهم أنه شبيه بالنفاق وأنه كدموع التماسيح، في حين أن صيغة (تفاعل) ليس بإطلاقها دالة على الذم، فنفس المصطلح ورد أيضا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مصادر العامة والخاصة في استحباب قراءة القرآن أنه" يستحب البكاء عند قراءة القرآن والتباكي لمن لا يقدر عليه والحزن والخشوع... أنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم قال:" إني قاريء عليكم سورة فَمَن بَكى فَلَهُ الجَنَّةُ فَإنْ لَمْ تَبْكُوا فَتَباكُوا" (44)، وثانيا لو كانت واردة للذم فكلمة(تواضع) على زنة تفاعل من هذا القبيل، وقد قالوا في توجيهها " تكون صفة التّواضع سمة لمن أظهر الضّعة والذّلّ لله ورسوله والمؤمنين وإن كان المرء عزيزا في نفسه كما قال تعالى: أذِلَّةٍ عَلى المُؤْمِنِينَ أعِزَّةٍ عَلى الكافِرِينَ" (45)، وأظن أن الأمر بالتباكي له دلالة يقرب من الوجوب، فلا ينبغي للمؤمن أن يحضر أو يذكر الحسين دون إظهار حزنه عليه.
العنصر الآخر استشعار الحزن والفراق والجزع وهذا يظهر بمدى إحساسك بالفراق المؤلم للإمام الذي لا فراق يساوي حبك العميق له وارتباطك به، فكلما زاد حبك ظهرت علامات الشوق عليك، وهذا أمر طبيعي عندما تجد من يلطم على الصدر أو الوجه أو غير ذلك، حتى عند من يصل إلى مستوى رفيع من العلم والفقاهة، ولتفسير هذه الحقيقة أنه توجد نظرية في تحول بين العاشق وذاته وللاختصار يفسرها ابن حزم الأندلسي(ت456هــ) وهو فقيه مالكي ومؤسس المذهب الظاهري عن ماهية الحب قال(وليس بمنكر في الديانة ولا بمحظور في الشريعة، إذ القلوب بيد الله) ثم يقول وهو يدافع عمّا سيحصل له بسبب الحب (طبعا يتحدث بشكل عام) من مخاصمة الفقهاء عليه وسيتهمونه بالجنون والخبالة (وأنا أعلم أنه سينكر علي بعض المتعصبين على تألفي لمثل هذا ويقول: إنه خالف طريقته، وتجافى عن وجهته.وما أحل لأحد أن يظن في غير ما قصدته قال الله:" يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرًا من الظن إن بعض الظن إثم") (46)، إذن هذا الذي يصنعه الشيعة من لطم الصدور مثلا هي حالة نستشعر بها الحزن والفراق وليس لأحد أن يتهمهم بشيء بالخرافة والبدعة، حتى عندما أنشد دعبل قصيدته المشهورة عند كتّاب الأدب (47)للإمام الرضا عليه السلام" إذن للطمت الخد فاطم عنده يقول شارح البيت( يعني لو ظننت يا فاطمةُ الحسينَ مطروحا وقد توفي عطشانا، إذن للطمت خدك المقدس عنده) (48)، واللطم : (لَطْمَة [مفرد]: ج لَطَمات ولَطْمات: اسم مرَّة من لطَمَ: صفعة، ضربةٌ بالكَفِّ مبسوطةً على الخدِّ أو على صفحةِ الجَسَد (كالصدر) (49)يقول ابن فارس (لَطَمَ يَدُلُّ عَلى ملاصقة شيء لشيء بضرب أو غيره) (50)، فعلى مثل الحسين عليه السلام وأهل بيته نلطم ونجزع ونبكي ونصرخ يقول الصادق عليه السلام:" وقد شققن الجيوب ولطمن الخدود الفاطميات على الحسين بن علي عليهماالسلام ، وعلى مثله تلطم الخدود وتشق الجيوب" (51) ويعلق الشيخ محمد حسن النجفي يقول(وما يحكى من فعل الفاطميات كما في ذيل خبر خالد بن سدير (هذا) بل ربما قيل إنه متواتر ، وهو موقوف على فعل ذلك من غير ذات الأب والأخ وعلى علم علي بن الحسين عليه السلام...على أنه قد يستثنى من ذلك الأنبياء والأئمة عليهم السلام أو خصوص سيدي ومولاي الحسين بن علي عليهما السلام). (52)
ومن ضمنيات المجلس وأعمدته الشعر والمراثي، وقد روي أن أبا عبد الله عليه السلام قال:" من قال فينا بيت شعر بنى الله تعالى له بيتا في الجنة" وعن أبي عبد الله عليه السلام في ثواب زيارة الحسين عليه السلام قال " بلغني أن قوما يأتونه من نواحي الكوفة وناسا غيرهم ونساء يندبنه وذلك في النصف من شعبان فمن بين قارئ يقرء وقاص يقص، ونادب يندب، وقائل يقول المراثي فقلت له: نعم قد شهدت بعض ما تصفه، فقال: الحمد لله الذي جعل في الناس من يفد إلينا ويمدحنا ويرثي لنا، وجعل عدونا من يطعن عليهم من قرابتنا وغيرهم يهددونهم ويقبحون ما يصنعون" (53)، فقول الشعر له جاذبية أكثر من النثر، وعباراته أجمل، وموسيقاه أخّاذة، وهي نوع من النعي منذ القدم، وبالرغم من اعتبار البعض بدعية ذلك، إلا أن الواقع يخالفه، فكم عالم أو حاكم إذا مات قامت الإذاعات والبرامج بإعداد فيديوهات لطلابه ومحبيه فيتحدثون عن مناقبه ومآثره، وتنشد قصائد الأحزان بشأنه، حتى أفتوا وفرقوا بين المراثي المشتملة على ألفاظ محرمة وهو ما يتفق عليه الشيعة، وبين المراثي ( المندوبة، وهي ما كان مسهلًا للمصيبة مذهبًا للحزن محسنًا لتصرف القضاء مثنيًا على الرب تعالى). (54)
وأيضا مما تعارف عليه الشيعة أنه إذا فقدوا عزيز عليهم تذكروا بمصابهم مصاب رسول الله وأهل بيته وبالأخص الحسين عليه السلام، وقد مر بنا بعض الإشارات، ويوجد حديث غير معتبر السند لكنه يدل على الاستحباب بمحتواه وهو أن الراوي يسأل الإمام عليه السلام : إنّني أبكي على الحسين عليه السلام فأتذكّر أمواتي فأبكي عليهم، فأجابهُ بما مضمونه :" نعم ، ابكِ ولو على أمواتك" لكن يقول الصدر(هو وجود الاستحباب حتّى في هذه الصورة ، وهي البكاء على الأموات، وهذا ما يدلّ على أنّ الشارع المقدّس ـ لو صحّت الرواية ـ يريد حفظ الظاهر أو الصورة الظاهريّة لبكاء الناس ، وإن كان قصدهم مختلفاً ، وهذا ليس جزافاً ، بل فيه فوائد وحِكم ومصالح حقيقيّة) وأرجع فائدة ذلك البكاء إلى: يمكن أن نُدرك منها ما يلي : حفظُ تسلسل الشعائر الدينيّة واستمرارها- إثبات وجود هذه الشعائر أمام مَن لا يؤمن بها أو لا يُنجزّها.-الإسعاد في البكاء للآخرين ؛ لأنّهم لا يعلمون أنّي أبكي على أمواتي ، بل يتخيّلون أنّي أبكي على الحسين عليه السلام بحرارة ؛ لأنّ البكاء فيه إسعاد وهو انتقال أو عدوى العاطفة من فردٍ إلى آخر، والإسعاد في البكاء معنى لغوي مأخوذ من السعادة ؛ لأنّ الباكي يشعر براحة وسعادة حين يجد نفسه بين الباكين من أجله-التربية النفسيّة من الناحية الدينيّة للفرد نفسه وللآخرين أيضاً ، فإنّه إذا قصدَ اليوم البكاء على أمواته ، فسوف يقصد غداً البكاء على الحسين عليه السلام ، بمعنى أنّ الدافع المتدنّي سوف يتقلّص في نفسه حتّى يزول). (55)
وفي الختام أن البكاء واستشعار الحزن على سيد الشهداء عليه السلام بالأخص ليس واجبا فقط وإنما كونيا، فلقد بكى عليه كل شيء كما جاء في الخبر (ولما قتل الحسين مكثت الدنيا سبعة أيام والشمس على الحيطان كالملاحف المعصفرة، و الكواكب يضرب بعضها بعضًا، وكان قتله يوم عاشوراء، وكسفت الشمس ذلك اليوم، واحمرت آفاق السماء ستة أشهر بعد قتله، ثم لازالت الحمرة ترى فيها بعد ذلك اليوم ولم تكن ترى فيها قبلها) (56)، وليس هذا غريبا، فالمؤمن أيضا تبكي عليه بقدر شأنه يقول مجاهد( ما مات مؤمن إلا بكت عليه السماء والأرض أربعين صباحا، قال َقُلْتُ لَهُ: أتَبْكِي الأرْضُ؟ فَقالَ: أتَعْجَبُ؟ وما لِلْأرْضِ لا تَبْكِي عَلى عَبْدٍ، كانَ يعمرها بالركوع والسجود؟ وما للسماء لا تبكي على عبد كان لتكبيره وتسبيحه دوي كَدَوِيِّ النَّحْلِ؟ (وكثيرة هي الروايات في هذا الشأن فكيف بسيد شباب أهل الجنة الذي يقول) علي بن الحسين وجماعة (ما بكت السماء منذ كانت الدنيا إلا على اثنين (فيسأل الراوي) ألَيْسَ السَّماءُ والأرْضُ تَبْكِي عَلى المُؤْمِنِ؟ قالَ: ذاكَ مَقامُهُ حَيْثُ يَصْعَدُ عَمَلُهُ. قالَ: وتَدْرِي ما بُكاءُ السَّماءِ؟ قُلْتُ لا قالَ: تَحْمَرُّ وتَصِيرُ ورْدَةً كالدِّهانِ، إنَّ يحيى بْنَ زَكَرِيّا لما قتل احمرت السماء وقطرت دما، وإنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ لَمّا قُتِلَ احْمَرَّتِ السَّماءُ((57) وهذا البكاء ليس على نحو المجاز، فحزن الأكوان باقٍ إلى يوم الساعة ، وحق لنا أن نبكيك يا أبا عبد الله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1)الجهاز الدمعي(ويكبيديا) (wikipedia.org)
2) MAYO CLINICانسداد القناة الدمعية (https://cutt.us/2uaNd)
3)عربي بوست (https://cutt.us/OCR59)
4)المتوارين ، عبدالغني الأزدي المتوفي عام 409هــ ص50 (كتاب يضم أشهر المتخفين عن جور الولاة).
5)دموع التماسيح (ويكبيديا) (wikipedia.org)
6)ديوان الخنساء اعتنى به وشرحه حمدو طمّاس ص10-11
7)الآيات من سورة يوسف
8)سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، للإمام محمد بن يوسف الصالحي الشامي(ت 942هــ) تحقيق وتعليق: الشيخ عادل عبد الموجود و الشيخ علي محمد معوض ج11ص25
9)الروايات مصححة ومأخوذة من كتاب (رحمة للعالمين ، سعيد بن وهف القحطاني ص44).
10)البداية النهاية لابن كثير ج5ص331- البرهان في تفسير القرآن السيد هاشم البحراني ج5ص720
11)البداية والنهاية لابن كثير ج4ص48
12)أسد الغابة لابن الأثير ج1ص530
13)بحار الأنوار ج101ص133
14)دلائل النبوة، لأبي نعيم أحمد الأصبهاني (ت430هــ) ص581
15)منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية، لابن تيمية الحراني تحقيق محمد رشاد سالم، ج4ص554
16)المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام، د. جواد علي ج8ص151
17)دروس، للشيخ محمد المنجد، ج13ص274
18)نهاية الأرب في فنون الأدب، لأحمد بن عبد الوهاب شهاب الدين النويري (ت ٧٣٣هـ) ج16ص94
19)بحار الأنوار ج 45 ص 88 ح 26
20)مرآة الزمان في تواريخ الأعيان، شمس الدين سبط ابن الجوزي ج9ص422
21)صحيح ابن حبان ج8ح3642ص403
22)ومصادر ذلك كثير عند المسلمين وتكاد تكون متواترة فراجع
23)وسائل الشيعة، الحر العاملي ج باب 44ح1باب 41ح4
24)اللؤلؤ المكين من فتاوى الشيخ ابن جبرين ص ٥٣. من موقع (موقع الإسلام سؤال وجواب، بإشراف الشيخ محمد صالح المنجد)
25)اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون، موسى العازمي ج2ص120
26)أرشيف ملتقى الحديث ج5ص499أرشيف ملتقى أهل الحديث - 5 | تراث (turath.io)
27) وثق المصادر : الصحيح من سيرة الإمام علي عليه السلام، السيد جعفر العاملي ج8ص281
28)من النوع الاستثنائي. منطق المظفر ج1ص204
29)نفس المصدر ، والقياس من الشكل الأول
30)مجلة البحوث الإسلامية - مجلة دورية تصدر عن الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد عدد32
31)بحار الأنوار ج44ص284
32)لسان الميزان ، ابن حجر العسقلاني ج2ص
33)قلائد الجمان في فرائد شعراء هذا الزمان، المشهور بـ(عقود الجمان في شعراء هذا الزمان)، لكمال الدين أبو البركات المبارك بن الشعار الموصلي(ت654هــ)ج1ص77
34)معجم شعراء الحب الإلهي، د محمد أحمد درنيقة ص10
35)وسائل الشيعة، ج1باب 20ح21ص391-392
36)البداية والنهاية ج11ص534
37)جمع الجوامع (الجامع الكبير) السيوطي ج17ص523
38)آل عمران31
39) وسائل الشيعة ج10باب 66ح2ص292
40)مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة عدد38ص395
41)نزهة المجالس ومنتخب النفائس، عبد الرحمن بن عبد السلام الصفوري ج1ص2-3
42)وسائل الشيعة ج1باب 20ح20ص391
43)ثواب الأعمال وعقاب الأعمال ، الشيخ الصدوق ص83
44)الاتقان في علوم القرآن، جلال الدين السيوطي ج1ص371
45)نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم - صلى الله عليه وآله سلم، عدد من المختصين بإشراف الشيخ صالح بن حميد ج4ص1255
46)طوق الحمامة في الألفة والأُلاّف، ابن حزم الأندلسي، ص90\ ص308
47)تاريخ الأدب العربي العصر العباسي الأول، د. شوقي ضيف ص320
48) شرح قصيدة دعبل التائية، الميرزا كمال الدين محمد بن معين الدين ، ص256
49)معجم اللغة العربية المعاصرة، أحمد مختارج3ص2013
50)معجم مقاييس اللغة، أحمد بن فارس القزويني الرازي،ج5ص250
51)تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي ج8ص325
52)جواهر الكلام، محمد حسن النجفي الجواهري ج4ص371
53)وسائل الشيعة ج10باب105ح1\ ح7
54)أرشيف ملتقى أهل الحديث – ١، تم تحميله في: المحرم ١٤٣٢ هـ
55)أضواء على ثورة الحسين عليه السلام، السيد الشهيد محمد باقر الصدر، ص155-156
56)تاريخ الخلفاء، جلال الدين السيوطي ص157
57) تفسير ابن كثير ج7ص254-255
جديد الموقع
- 2024-04-30 سمو محافظ الأحساء يرأس المجلس المحلي للمحافظة
- 2024-04-30 سمو محافظ الأحساء يرأس اجتماع اللجنة العليا لإنشاء المستشفى الجامعي التعليمي
- 2024-04-29 وعي القلم والأمل نص مستخلص من مجموعة (كلام العرافة) للدكتور حسن الشيخ
- 2024-04-29 ريم أول حكم سعودية لرياضة رفع الأثقال حازت على الشارة الدولية
- 2024-04-29 بيئة الأحساء تدشّن أسبوع البيئة 2024 تحت شعار "تعرف بيئتك"
- 2024-04-29 منتدى البريكس الدولي يكرم الفنان السعودي الضامن في غروزني الشيشان ..
- 2024-04-29 حققوا المركز الأول على مستوى المملكة كأعلى تسجيل للطلاب طلاب "تعليم الرياض" يفوزون بـ13 ميدالية في أولمبياد "أذكى"
- 2024-04-29 جمعية العمران الخيرية بالاحساء للخدمات الاجتماعية تحظى بتكريم مرموق من مركز الملك عبد العزيز للتواصل الحضاري .
- 2024-04-29 مبادرة خطوة قبل الشكوى تبدأ فعالياتها بتأهيل اناث الدمام
- 2024-04-29 افراح الشبيب والعبدالسلام في قاعة الفارس بالاحساء