2010/01/03 | 0 | 2479
عاشوراء وزوبعة التزوير – ح 3
[2] فهناك من الموارد ما لا ينبغي ذكرها على منابر السبط الشهيد، بل يصل بعضها إلى حد الحرمة، خصوصاً تلك التي تخالف العقل بشكل صارخ – بخلاف ما ثبت إعجازه-، وتلك التي فيها منقصة واضحة بالمعصوم أو بالعقيدة.
ويمكننا أن نذكر بعض تلك الموارد وأمثلة عليها:
الشذوذ ومخالفة المشهور:
ومن ذلك ما ذكره بعض المؤرخين بأن المقتول في كربلاء من أبناء الحسين (ع) عليٌ الأصغر وليس الأكبر (ع)، ولاشك بأن هذا خلاف المشهور وماعليه رأي المحققين والمورخين من علماء الفريقين.
ولاشك بأن المشهور قد يتفاوت من بلد إلى بلد، ومن قطر إلى قطر، فالمشهور لدينا بأن قاتل الإمام الحسين (ع) هو الشمر بن ذي الجوشن (لع)، وقد يكون المشهور في أحد البلدان مثلاً أنه سنان بن أنس النخعي (لع). وهذه نقطة ينبغي على خطبائنا الكرام مراعاتها والالتفات إليها.
مخالفة التحقيق:
وهي بعض الحوادث التاريخية التي تخالف مسلمات التاريخ والتحقيق البسيط، فمن ذلك ما رواه صاحب كتاب (محرق القلوب) الملا مهدي النراقي بأن هاشم المرقال (رض) كان موجوداً في كربلاء وقُتل فيها.
وهذا يخالف ماعليه إجماع المؤرخين من أن هاشماً المرقال قُتل في معركة صفين سنة 37هـ مع الإمام علي (ع) وكان صاحب رايته حينئذٍ[3].
روايات الغلاة:
وهي روايات وأحداث كثيرة، وقد تكاد تكون أكثر ما يعانيه العلماء مع الخطباء هي من هذا النوع، والتي مردها إلى الكرامات والمعجزات والرؤى الباطلة وغير الثابتة، ويظهر أن مثل هذه الموضوعات لم تكن حديثة عهد، بل كانت منذ زمن المعصومين (ع).
فمن ذلك رواية عبد الله بن الفضل الهاشمي مع الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) حيث قال: "فقلت له يا بن رسول الله فكيف سمت العامة يوم عاشوراء ، يوم بركة فبكى ( ع) ثم قال : لما قتل الحسين (ع) تقرب الناس بالشام إلى يزيد فوضعوا له الاخبار وأخذوا عليه الجوائز من الأموال فكان مما وضعوا له أمر هذا اليوم وانه يوم بركة ليعدل الناس فيه من الجزع والبكاء والمصيبة والحزن إلى الفرح والسرور والتبرك والاستعداد فيه حكم الله مما بيننا وبينهم قال : ثم قال (ع) يا بن عم وان ذلك لأقل ضررا على الاسلام وأهله وضعه قوم انتحلوا مودتنا وزعموا أنهم يدينون بموالاتنا ويقولون بإمامتنا زعموا ان الحسين ( ع) لم يقتل وأنه شبه للناس أمره كعيسى بن مريم فلا لائمة إذن على بني أمية ولا عتب على زعمهم ، يا بن عم من زعم أن الحسين (ع) لم يقتل فقد كذب رسول الله صلى الله عليه وآله وعليا وكذب من بعده الأئمة عليهم السلام في أخبارهم بقتله ، ومن كذبهم فهو كافر بالله العظيم ودمه مباح لكل من سمع ذلك منه . قال عبد الله بن الفضل : فقلت له يا بن رسول الله فما تقول في قوم من شيعتك يقولون به ؟ فقال (ع) ما هؤلاء من شيعتي وانى برئ منهم"[4].
الوضع والدسّ وروايات النواصب:
ولاشك بأن أمثال هذه الروايات والأحداث فيها منقصة للمعصومين (ع) بشكل واضح، وقد زخرت كتب بعض المؤرخين بمثلها كالذهبي وابن خلدون وابن عساكر وغيرهم، حتى أن بعض تلك الكتب يذكر الإمام (ع) باسم (حسين) إمعاناً في استنقاصه واستصغاره[5].
وأمثلة ذلك كثيرة، ومنها مثلاً:
ما رواه بعض المؤرخين كابن عساكر والذهبي بأن الإمام الحسين بعث إلى المدينة يقدم عليه من خف من بني عبد المطلب ، وهم تسعة عشر رجلا ونساء وصبيان من إخوته وبناته ونسائه ، وتبعهم محمد بن الحنفية ، فأدرك حسينا بمكة . فأعلمه أن الخروج ليس له برأي يومه هذا ، فأبى الحسين أن يقبل ، فحبس محمد بن الحنفية ولده فلم يبعث أحدا منهم حتى وجد الحسين في نفسه على محمد ، وقال : ترغب بولدك عن موضع أصاب فيه ؟ فقال : وما حاجتي إلى أن تصاب ويصابون معك ؟ وإن كانت مصيبتك أعظم عندنا منهم!.[6]
ويعلّق سماحة العلامة المحقق الشيخ نجم الدين الطبسي على هذه المقولة بأمرين:
الأول: لم نعثر على هذا الأمر –يعني حبس محمد بن الحنفية أولاده عن الالتحاق بالإمام (ع) – في كتبنا، بل في تواريخ غيرنا سوى ما أورده بن عساكر، ثم المزي، ثم الذهبي.
الثاني: مثل هذا الأمر لو كان قد حصل فعلاً، لكان سُبة وسوءة يُعيّر بها ابن الحنفية وأبناؤه، ولكان لهذا الحديث آثار ممتدة يُعرف من خلالها، كأن يُعاتب ابن الحنفية أو أبناؤه من قبل واحد من أهل البيت (ع) أو أكثر مثلاً، ولاشك بأن هذه الآثار ستنطبع على صفحات التاريخ، ولكننا لا نجد شيئاً منها في التاريخ أو في مرويات أهل البيت (ع).
من هنا، نرى أن مارواه ابن عساكر بهذا الصدد زيادة مكذوبة، ولا يبعد أن يكون أحد الرواة في سندها ذا ميل أموي، فأراد أن يشوه وحدة الصف الهاشمي في الموقف من نهضة الإمام الحسين (ع)[7].
ومن أمثال تلك الموارد أيضاً ما رواه ابن كثير في تاريخه ج8 ص163، عن لسان أبي سعيد الخدري (ره) أنه قال: "غلبني الحسين (ع) على الخروج وقلت له: اتق الله في نفسك! والزم بيتك ولا تخرج على إمامك".[8]
ومن ذلك أيضاً ما رواه ابن قتيبة الدينوري في الإمامة والسياسة عن بكاء يزيد بن معاوية على الإمام الحسين (ع)، فقال: "فبكى يزيد حتى كادت نفسه تفيض! وبكى أهل الشام حتى علت أصواتهم".[9]
ومن ذلك أيضاً ما رواه ابن قتيبة نفسه بأن يزيد قال بعد بكائه أمام سبايا الإمام الحسين (ع) : "خلوا عنهم، واذهبوا بهم إلى الحمام، واغسلوهم، واضربوا عليهم القباب"، ففعلوا، وأما عليهم المطبخ وكساهم، وأخرج لهم الجوائز الكثيرة من الأموال والكسوة.[10]
إذ يعلق الشيخ محمد أمين الأميني بقوله: "ولكن مع ذلك لم نستبعد وقوع شيء من الكذب في تقديم هذه الخدمات الواهية، فالظن الغالب أنها من أكاذيب أنصار بني أمية خذلهم الله".[11]
مخالفة ثوابت المذهب:
هناك من الأمور ما هي ثابتة من ثوابت المذهب، ومستلزمة من مستلزماته التي اشتهر بها الشيعة أنها من عقائدهم، إلا أن بعض الخطباء يأتي ببعض الأخبار أو الآراء التي تخالف تلك الثوابت التي استدل على أحقيتها علماؤنا الأعلام، وإن كان بعضها يحمل بعض التبريرات، إلا أنها في ظاهرها العام ومجملها مخالفة لثوابت مذهبنا.
فمن ذلك مثلاً قول السيد محمد حسين فضل الله: (وعلينا في الوقت نفسه أن ننطلق، من خلال هذه الذكرى لنعالج مسألة يحاول يرددها البعض، وهي أن الحسين (ع) لم يكن طالب حكم أو سلطة.
إننا نقول كان الحسين (ع) طالب حكم وسلطة، ولذلك واجه المسألة من الموقع الواسع للقضية، وتحرك في مسألة التحدي من المقهوم الإسلامي).[12]
ولا يخفى بأن ذلك يخالف ما يقوله الإمام الحسين (ع): (وإني لم أخرج أشراً ولا بطرا، ولا مفسداً ولا ظالما، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي صلى الله عليه وآله، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب عليه السلام).[13]
وما نراه في سيرة أبيه الإمام علي (ع) قوله: (اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان، ولا التماس شيء من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك).[14]
ومن ذلك أيضاً، القول بأن الإمام الحسين (ع) قام بدفنه قوم من بني أسد، ولايخفى بأن من الثوابت في مذهبنا بأن المعصوم لا يلي تغسيله وتكفينه ودفنه إلا المعصوم[15]، قال المحدث القمي:
(إعلم أنه قد ثبت في محله أنه لا يلي أمر المعصوم إلا المعصوم، وأن الإمام لا يغسله إلا الإمام، ولو قبض إمام في المشرق وكان وصيّه في المغرب لجمع الله بينهما).[16]
ويقول الشيخ الأعظم الأنصاري (قده): (ثبت أن الإمام لا يغسله إلا الإمام).[17]
ويقول الشيخ محمد علي المعلم: (من معتقدات الشيعة أن جنازة المعصوم لا يتولى دفنها إلا المعصوم).[18]
ومخالف للنصوص الكثيرة التي وردت بأن الإمام علي بن الحسين (ع) هو الذي قام بتولي دفن الإمام الحسين (ع) عن طريق الكرامة والمعجز الثابتين، بمشاركة بني أسد.[19]
مخالفة العقل والحقائق العلمية:
هناك بعض الآراء والأخبار التي تخالف العقل والحقائق العلمية الثابتة بالأدلة القطعية، ومن أمثلة ذلك الرأي المشهور عن الفاضل الدربندي في (أسرار الشهادة) بأن يوم عاشوراء امتد إلى 70 ساعة!.[20]
ما لا أصل له:
وهو ما لم نجد له أصلاً في كتب المقاتل والتاريخ المعتبرة، ومن ذلك ما سمعته من أحد الخطباء المشهورين، من أن الإمام الحسين (ع) كان في لحظات وداعه الأخير مع عائلته، وكانت في حجره ابنة له، يناغيها ويكلمها. وفي هذه الأثناء انطلقت سهام القوم نحو الإمام (ع)، فرفع الإمام (ع) يده مشيراً بها نحو السهام فتوقفت في الهواء.
والغريب في الأمر أن هذا الخطيب الكبير يقسم بالله وبالأيمان المغلظة بأن هذا حصل وجرى، ولكن لا نعلم عن مستمسكه في هذه الرواية الغريبة!.
ونكتفي بهذا القدر من الموارد التي قد تثير حفيظة الكثير من ذكرها على المنابر الحسينية، أمام جمهور واسع من الناس من مختلف الطبقات الثقافية والاجتماعية.
جديد الموقع
- 2024-05-06 ابن المقرب في بيت الشعر بالقيروان
- 2024-05-06 مدينة مصغرة لواحة الأحساء الزراعية
- 2024-05-05 مثقفون وأعيان يرصدون العطاء الأدبي للبابطين
- 2024-05-05 قصيدة (مطية الغياب)
- 2024-05-05 افراح الغزال و الدخيل في رويال الملكية بالاحساء
- 2024-05-05 شَبَه الكتابة بالرسم
- 2024-05-05 ما بعد الوظيفة (1).
- 2024-05-05 ابن الأحساء الحبيبة الفلاح الفصيح
- 2024-05-04 بيت الشعر في الفجيرة ينعى الأمير بدر بن عبد المحسن
- 2024-05-04 الأمير سلطان بن سلمان : الأمير بدر بن عبدالمحسن ترك ارثاً لا يمكن أن يحمى مهما طال الزمن