2013/02/02 | 1 | 2110
النبوة في مواجهة النظرة الغريزية المنحرفة..
فمن خلال هذه الأمنيات والأضغاث يصل بعض الناس بكبرائهم وعلمائهم ووجهائهم إلى الشكل الذي لا يحب الله سبحانه ..
هكذا يجب أن نفسر وجود الطغاة في العالم ..
وهكذا نستوعب تمكن وتحول كل منحرف من ضعيف مفرد إلى كبير وشهير أيا كان صنفه وجنسه ؟!
فلا تسألني كيف تمكن هذا أو ذاك من وطئ الأكتاف، وجر الأذقان إلى الأرض ؟
هل ستصدقني بأن في الناس من انحرفت سليقته وميوله، فيريد حكما طاغيا وملكا متجبرا ؟!
هل ستسحسن قولي: أن في الناس من يبحث عن عالم أو وجيه يتكبر على غيره ويدعم التشكيل الطبقي في المجتمع بسلوكه وغروره ؟!
هل ستتقبل دعوتي في أن الناس منهم من يريد إماما إلهيا ويبايعه بعد إلحاح، ولكنه يريد منه أن يقسم أموال المسلمين على فئات دون فئات، فهو ينتظر من الله إماما رأس مالي ؟!
هكذا كان في الأمة السابقة من لم يعدم الاستعداد لمبايعة الرسول ونصرته شريطة أن يسير سيرة الملوك فيكون كما كانوا اسما ورسما وحرفا أي منطقا ؟!!
ما أريد التأكيد عليه هو المشكلة في هذه الانحرافات أنها ليست أحادية الطرف، بل هي أرضية تفاعلية، فالطاغي يتفاعل مع من يمتلك الأرضية النفسية التي تتقبل الطغيان وتحتضنه ؟!!
وهكذا النجاح الشكلي للعالم المتكبر أو الفاسد وغير هذا وذاك من رؤوس الإنحراف..
فهذا هو الانحراف الخطير الذي جاء النبي صلى الله عليه واله لمواجهته وكبحه، واسمه: النظرة الغريزية المنحرفة ( إن وفقت التسمية )، فإن انحراف النظرة الغريزية أخطر من انحراف الروح، بل لا وجه مقارنة بين السيئتين فسيئة الانحراف الروحي لا تعدو صاحبها، وأما تلك فهي التي تفتح بابا للآخر ينفذ من خلاله بأغراضه التخريبية والافسادية ؟!!
نماذج مع رسول الله صلى الله عليه واله :
حينما استعصت دعوة الرسول ص على ملأ مكة ولم يستطيعوا قمعها بالقوة وجه العرب أدهى الدهاة وهو عتبة بن ربيعة ليبارز الرسول بسلاح جديد وهو سلاح الأمنيات والرغبات ..
"" إن كنت إنما تريد بهذا الأمر مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا.. وإن كنت تريد شرفا سودناك علينا فلا نقطع أمرا دونك، وإن كنت تريد ملكا ملكناك علينا ...""
ليست هذه مجرد عروض تكشف عما يعادل معنى الحياة عند الجاهلية الجهلاء فقط، بل إنها دليل من أدل الأدلة على أن هذه الأمة تمتلك خبرات فائقة في مجال العلوم النفسية لكنها تستخدمها للمكر والحيلة ؟!
فالجاهلية لا تساوي الغباء كما يظن الكثير ..
كيف وإن في أشعارهم ما يحمل علما غزيرا تسيل معه وديان علوم الأخلاق، والنفس، والاجتماع ... وقد قال الحاج خليفة في كتابه كشف الظنون ناقلا عن بعضهم: أن في ديوان العرب علما كثيرا، بل لهذا قيل إن من الشعر حكمة ولكن الحكمة قد تستغل في الحيلة والخديعة !
حتى أن القرآن المجيد لم ينتقد الشعر كشعر ولكنه أنتقد الكثير من الشعراء (لا كلهم)؛ إذ كثيرا ما يحصل لديهم استغلال وظيفي للشعر ؟!
فهذا هو عتبة بن ربيعة يتحدث بخبرة منقطعة النظير، نظرة خبيرة في الشخصيات الطامحة والفاتحة !!
فهو يعلم أن في الناس من يضحي بنفسه حتى الموت، في سبيل جمع المال!!
ولكن ليس هذا مقياسا لكل الناس ..
لهذا فإنه وضع الرسول في اختبار آخر بعد علمه أن هناك من يضحي بنفسه وبغيره في سبيل الشرف والسيادة فإن تواضع أو أعرض عن المال فإنما يعرض لمصلحة السيادة ولأجل أن يقال عليه أن فلانا من أعلام الزهد والشرف؟!!
ولكنه لم يلقى النتيجة المرجوة من هذا الشكل من الاختبار، فانتقل بالرسول إلى الشكل الجديد وذلك بعد أن جاء في تصور عتبة شخصية تبذل الغالي والأغلى في سبيل الملك، فعمد بالرسول إلى الاختبار الأخير "" إن كنت تريد ملكا ملكناك ""ولكن آماله باءت ــ ومع آخر اختبار ــ بالحسرة !!
فإن الرسول حطم كل تلك المقاييس التي كانوا يقيسون بها الشخصية الأقوى..
وقد يجول في ذهن البعض سؤال لا أكثر، وهو لما لم يقبل الرسول صلى الله عليه واله بذلك الملك، ومن ثم يصل به إلى مطالبه ؟
ولكن ما يجب علينا أن نعلمه هو أن هذه ليست استراتيجية ناجحة نقترحها على الرسول الكريم، بل هذه غرائز منحرفة والقبول بها يعد تأكيدا لها وإلى الأبد، لذلك أبتها نفسه الكريمة.
وقد حدثنا القرآن الكريم عن هذه الغريزة مرة أخرى:
{وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق}..
فهم كانوا يعرفون الرسالة ولا ينكرونها كبمدأ، ولكنهم يطمحون في رسول هرقلي وكسروي يخف إلى الطغيان والتعالي على الآخرين، ولا يفعل ما يجانس فعلهم رسول فوق العمومية ؟!
ينظر إلى الناس من خلال نافذة فوق برج عاجي !
هل في حياة الصالحين شاهد ؟
وإن هذه الغريزة المنحرفة لا تخلو منها نفوس الصالحين أيضا ولكن دون أن يشعروا بذلك .
تقول الشموس بنت النعمان:"" نظرت إلى رسول الله ص حين قدم المدينة وأسس مسجد قباء فرأيته يأخذ الحجر أو الصخرة حتى نتبعه فيأتي الرجل من أصحابه فيقول يا رسول الله ص بأبي أنت وأمي أكفيك فيقول لا حتى أسسه "".
ربما كان في نفوس الناس أن الرسول ص لا يليق بالرسول أن يحمل الحجر أو يعمل الذي تعمله العمومية فأراد النبي أن يحطم هذه الغريزة التي يكون لها ثمار أخلاقية غير مستساغة في حياة القادة الذين يأتون بعده..
غريزة الغلو:
ومن أجل ان يستمر في مواجهة هذه الغرائز جابه غريزة أخرى وهي الغلو بغير الحق الأمر الذي سبق في حياة أهل الكتاب {قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق}، وإن لكل من الأنبياء نصيب في تحطيم هذه الغريزة..
فبينما المُـلك في الغريزة العامة هو خاص بابن الملوك وابن الأسياد، ولكن القرآن تحدث عن مَـلِكٍ سجين خرج من قمقم السجن إلى كرسي الحكم، وهو يوسف الصديق..
وبينما يختصر الناس المجدَ في الأباء الأماجد، وفي الأنساب بعث الله تعالى نبيا من أولي العزم هو ابن أنثى وابن امرأة، وذلك عيسى بن مريم ليحطم مثل هذه الغريزة الشوهاء..
خط المرجعية:
وربما لا نعدم الروح الرسالية مع بعض الرموز الأوفياء وإن استمرار هذه الروح هي فضيلة للنبي صلى الله عليه واله وسلم وللتابع له أيضا، فضيلة النبي في غرسها وسنها وفي عمل كل عامل يعمل بها إلى يوم القيامة، وفضيلة المتابع له في إحيائها والهتاف بها عملا لا قولا..
وهنا مثال من المرجعية الدينية التي ينظر إليها بعين الاقتداء، ولكني أؤكد ضمن الكلام أن الحديث ليس عن عنوان المرجعية، بل عن خط المرجعية فالعنوان تجده في كل مكان ومع الكثير وإن لم يكونوا له أهلا، ولكن المقدس هو خط المرجعية لا عنوانها وإن خطها أمر واضح رسمه لنا الإمام العسكري سلام الله عليه:
"" من كان من الفقهاء صائن لنفسه مخالفا لهواه مطيعا لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه"".
ومما يحمد الله عليه أن تطبيقات هذا الدرس العسكري قائمة في كل زمان وإن كانت من القلة بمكان، فأهل هذا الوصف الدقيق وأصحابه هم الذين استطاعوا أن يفوقوا بأصواته اللطيفة والعجيبة والساحرة أعلى قنبلة صوتية في العالم في مقاومة و مواجهة تلك الصور من الانحرافات الغرائزية..
واليوم رأينا وتابعنا الكثير من أبناء السلف يعيروا العلماء الذين يسكنون القصور ولا صوت لهم في الكثير من أحداث العالم بينما المرجع الديني الكبير يظهر في مظهر الزهد..
هذا المرجع الديني العظيم الذي وفي السنوات الأخيرة جرت مفاوضات معه في داخل بيته أن يوضع الكراسي في بيته ويقولون أن المفاوضة نجحت لكن بأي مستوى ؟
لقد نجحت بوضع كراسي البلاستيك في بيته !
إن هذا الكفاف وهذا الورع لا يحكي عدم الرغبة في المال، بل يحكي ما هو أعمق من ذلك ففي زيارتي له عام : 1418 هـ حدثه أحدنا لما لا تشتري بيتا آخر ونحن ندعمك فقال إن عندي ما يكفي لبناء قصر، ولكنني أقيس نفسي بأضعف الشيعة من أقصى العالم إلى أقصاه ..
هذه الكلمة أرى من الأمانة أن أحملها لأحبائه من المؤمنين..
هذا الإنسان الذي مهما ذهب إليه أحد قال له من أي بلد أنت؟
فإذا قال من الأحساء أو القطيف أو البحرين قال:
سلم لي على أهل الأحساء ..
سلم لي على أهل القطيف ..
سلم لي على أهل البحرين..
كما رأينا من تطبيقات هذا الوصف مراجع بعد أن حكموا وأسسوا الدولة كانوا أول من يخرج إلى صناديق الاقتراع ويضع القسيمة لينتخب مثله مثل سائر أفراد الشعب في كل مشهد من مشاهد الانتخاب الشعبي..
كما أنهم يجلسون ويفتحون الأبواب أمام الجماهير فيزارون فكانوا في العمومية وبين العمومية فقد عاشوا كما عاش الرسول صلى الله عليه واله ومن رآه وهو لا يعرفه لا يفرق بينه وبين أصحابه وأفراد قومه، فبهذه المواقف يتم تحطيم ودك الغرائز المنحرفة
جديد الموقع
- 2024-05-09 ما بعد الوظيفة (2)
- 2024-05-09 ناصر الجاسم.. في مجموعته القصصية «العبور».. القاص المسكون بهاجس من ذاكرته الشعبية.
- 2024-05-09 كيف يصرح الأديب بحبه
- 2024-05-09 (التعويض عن الضرر المعنوي في النظام السعودي)
- 2024-05-09 الدفاع المدني بمنطقة القصيم تكرم الإعلامي زهير الغزال
- 2024-05-08 جامعة الملك فيصل تشارك في مؤتمر ومعرض الشرق الأوسط لهندسة العمليات 2024 بالظهران إكسبو
- 2024-05-07 فاطمة السحاري : لا يسعفني قلمي ولا وجعي .. فالمسافر راح .. فرحمة الله تحتويك يا "البدر"
- 2024-05-07 الخريف يرعى تكريم اللجنة المنظمة للنسخة الثالثة لـ حرفيون
- 2024-05-07 ضمن برنامج الاحتفاء بأسبوع الأصم العربي ٤٩
- 2024-05-07 أهمية الكتب الورقية: لماذا الكتاب الورقي الذي يحمله الطفل بيديه أفضل من الكتاب الذي يقرأه على الشاشة؟
تعليقات
محمد علي
2013-02-02سماحة الشيخ عبدالجليل البن سعد حفظكم الله وادام عليكم الصحة والنعمة انه طرح مميز له قراءات عديدة وامنيتنا ان يكون الجميع وخاصة الذين بيننا مثل مراجعنا ولكن للأسف الشديد يا سماحة الشيخ تذكر المراجع والفعل مغاير مما سبب صدمات للمجتمع وفقك الله على هذا الطرح الراقي ونتمنى من الجميع القراءة بالتمعن والتدقيق .