أهداف البحث:

-أما الهدف من الكتابة فهو التعريف بشيء مما وصلنا، ومما هو حاضر لدينا عن تاريخ الحليلة المحروسة بعين الله تعالى ليطلع ابناؤنا على تاريخ بلدهم ويتعرف أحبابنا على ما يحمله ذلك التاريخ من مجد.

- ومن هنا راودتني فكرة في وضع كتاب عن هذه البلدة الطيبة الغالية علينا، فهي محاولة متواضعة لفتح الطريق أمام الكتاب والمؤلفين والباحثين بأمل أن أوفق في وضع هذه اللبنة.

الحليلة قديمًا للأستاذ الدكتور فضل العماري:

الحليلة قديما اسمها حوار: بهجر (قرية الحليلة)، قال ياقوت: «وروی فيها فتح الراء على أنها مثنى (حوارين)، وعلى أن الحاء تأتي أيضًا بالفتح والكسر، إلى جانب الضم».

الموقع:

الحليلة هي إحدى البلدات الشرقية الشمالية في الأحساء وتقع شرق مدينة الهفوف وتبعد عنها (10) كلم تقريبا وهي تربط بين شمال الأحساء وجنوبها لتوسطها بينهم فتجاورها من الناحية الشمالية بلدنا المقدام والكلابية ومن جهة الشرق بلدة القارة ومن الجنوب بلدة الجبيل ومن الغرب بلدة البطالية وهي بلدة ذات موقع استراتيجي مهم إضافة إلى ما ذكرنا فهي تقع على الخط الرئيسي المباشر والمؤدي إلى معظم المعالم السياحية والتراثية في الأحساء مثل جبل القارة ومنتزه الأحساء الوطني المشهور بحجز الرمال ومنتزه المشقر ومسجد جواثا الذي أقيمت فيه ثاني جمعة في الإسلام وهي ممر للكثير من بلدات الأحساء.

الحياة الاجتماعية -مجالس مشهورة (مجلس العمدة علي الخميس).

ومجالس ابنائه عبد الله (رحمه الله) ومن بعدهم مجلس ابنه أحمد سلمه الله تعالى ومن مميزات هذه المجالس أنها تحل مشاكل المتخاصمين وأصحاب الدعاوى وتنزل العقوبات بمن يحكمون عليه دون الحاجة لتحويلها إلى الشرطة أو المحاكم وقد شاهدت بعضها عندما كنت صغيرا.

فأتذكر منها أن شابا تحرش بامرأة فشكى أهلها عليه عند العمدة الحاج أحمد الخميس فحكم عليه بالجلد وبطحوه أرضًا وضربوه وقد تكسرت مجموعة من العصي على ظهره وانتهت القضية على هذا النحو وبرضى الخصم أهل المرأة دون الحاجة للذهاب للشرطة.

الصلات والروابط الاجتماعية:

كانت الروابط الاجتماعية بين الناس قوية جدا والترابط بينهم وثيق فالجار يساعد جاره والأقرباء يحنون على ذويهم والتزاور بينهم ملحوظ رقم صعوبة الحياة وشظف العيش إلا أنهم يمثلون اللحمة المتراصة ويدافع بعضهم عن البعض حتى جاءت المدنية فككت بين الناس شيئا فشيئا مما أضعف تلك الروابط وإن لم ينهها.

 عادات الزواج قديما:

كانت الحياة بسيطة وتكاليف ومراسيم الزواج متواضعة جدا وكانوا يذبحون الخرفان القليلة ثم الإبل ويدعون كل من حولهم وكانت الأعراس تقام في البيوت ويستخدمون بيوت جيرانهم لاستقبال الضيوف والجميع يحضر الزواج وكانت الوجبات تقدم يوم الزواج غداء ومساءً يقدم العشاء وفي صبيحة اليوم التالي يقدمون الغداء وتستمر الأفراح لسبعة أيام وتوضع الأنوار ويزف العريس إلى إحدى العيون الشهيرة عين أم سبعة أو الخدود أو الجوهرية ويدعى أصحاب السيارات للحضور لنقل الذاهبين بصحبة العريس وتزين سيارة العريس بالورود ويزف بعد الغداء إلى إحدى تلك العيون ثم يرجعون به قبل الغروب ويجلسون في ذكر المدائح وفي الليل وبعد العشاء يزف العريس إلى مكان واسع ويقرأون المولد النبوي الشريف حتى الساعة الحادية عشر تزيد أو تنقص ثم يزف إلى زوجته بالتهليل والموشحات ثم يؤتى بالزوجة مزفوفة وتستقبل بذبح الذبيحة على رجلها استقبالا وتكريما لها ثم تدخل في ظل الأهازيج ويؤتى بالزوج فيدخل مزفوفًا من النساء على زوجته.

وفي صبيحة اليوم التالي تأتي عمته أم الزوجة فيحب العريس رأسها ويقدم لها هدية متواضعة إما عينية أو نقدية والأكثر نقدية وفي مساء اليوم الثاني يستقبل العريسان كل في موقع خاص به فالرجال يستقبلون الرجال والنساء يستقبلن النساء وبعد يوم تجلس العروس في مكان مخصص لها وتسمى جلسة حبة الرأس حيث تأتي النساء وتقوم العروس بحب رؤسهن وهن يقدمن لها شيئًا من الذهب أو المبالغ المالية.

ومن الأشياء التراثية ما يُسمى " الغدان " وهو تخصيص غرفة في بيت العريس وتوضع فيها ألوان متعددة من القماش من أعلا السقف حتى أسفل الأرض كل قطعة بلون وتفرش أيضًا وتؤخذ هذه الأقمشة من البيوت الأخرى حيث يعرفون من عندهم ويستعيرونها لمدة إسبوع وقد تزيد قليلا ثم ترجع فيما بعد.

ومن اللطائف أيضًا أن تزف العروس من بيت أهلها إلى بيت زوجها بأن تجلس على سجادة متينة ثم يتجمع حولها مجموعة من النساء لرفعها ونقلها مزفوفة عبر هذه السجادة وقد شاهدت ذلك وأنا صغير تلك العادة ثم جاءت السيارات ونقلت العروس فيها والنساء يلهجن بقولهن:

عيت ما تجي إلا بسياره

ومن اللطائف عندما يريدون ذبح الجمل يأتي الذابح بسكين حادة وقد ربط الجمل ربطا وثيقا ثم يبتعد الذابح مسافة بعيدة ويأتي مسرعا فيضرب الجمل بالسكين في رقبته والرجال الأشداء يُحيطون به ثم تبدأ عملية السلخ والتقطيع وقد شاهدت ذلك بعيني وأنا صغير.

ومن اللطائف أيضًا أن كبد الجمل يتقاسمها الموجودون بينهم أو يطبخونها ويأكلوها قبل ليلة الزواج وأتذكر أنه في أحد الأعراس جاء أحد أفراد العريس متأخرًا وقد أكل الأخوة كبد الجمال فسألهم: أين كبد الجمال؟ فقال هؤلاء: لا كباد لهم فقد. أجريت لهم عملية من قبل وأزيلت كبادهم فزعل القريب وعلم الزوج فذهب إليه وبصعوبة رضي بعد أن واعده بإحضار كبد له في اليوم التالي حيث اشترى له كبدا أخرى.

مظاهر اجتماعية:

من المظاهر الرائعة في الزمن القديم وعندما يحل شهر رمضان المبارك تعج الشوارع بقراء القرآن الكريم حيث يجلسون في الشوارع وأمام بيوتهم ويبتهلون طيلة الشهر الكريم ويختمون المصحف الشريف يصل بعضهم أن يقرأ في اليوم الواحد ثلاث إلى أربع ختمات فيصل بعضهم إلى ما يزيد عن مائة وعشرين ختمة كثيرون يقرأون ذلك للموتى وبأجر زهيد لا يتجاوز الستين ريالا للختمة الواحدة وقد شهدت بأم عيني تلك المظاهر الإيمانية اضافة إلى المجالس والحسينيات التي تقوم بهذا الدور ليلا فبعضهم يأتي بقراء يقرأون كل ليلة وبأجر.

 معيشة الناس:

تعتبر الأحساء من المناطق الحيوية منذ القدم وهي غنية بالموارد الاقتصادية فهي محط قوافل التجار ونظرا لكثرة العيون والأنهار بها اشتغل أهلها بالزراعة واشتهرت فيها المحاصيل المهمة مثل التمر والأرز الحساوي الشهير وغيرهما من المحاصيل ولذا فأهل الحليلة جزء من هذه الواحة الكبيرة اشتغلوا بالزراعة والرعي اضافة إلى اشتغال قسم منها بالغوص والحياكة وإن كانت الظروف صعبة حينها حتى جاء اكتشاف النفط فانخرط قسم كبير منهم في العمل في شركة أرامكو حيث تحسنت ظروف معيشتهم ثم تطورت الأمور نحو الأحسن فجاء توحيد المملكة العربية السعودية وحل الاستقرار والأمن وانتشرت الأعمال وزادت فرص التوظيف وانعكس ذلك ايجابيا على حياة الناس والله الحمد.

الودمة الحساوية:

أكلة شعبية يطيب تناولها في مثل هذه الأيام من كل عام أو تتكون من العديد من أنواع الحشائش والخضار والعوم والليمون والأترنج وتمر الشيشي المطوق.

يتفنن في تجهيزها الرجال والنساء ولكن الجانب النسائي يطغى على الجانب الآخر، والوقت الأنسب لتناولها قبل وقت الظهر بوقت كاف.وجبة لم تدخل عليها التقنية الحديثة أية اضافات أو تغيرات مما جعلها تحتفظ بنكهتها وطراوتها ولذتها.

الدزء الثاني

بعد الاطّلاع على هذا الكتاب القيّم، يتّضح منذ الصفحات الأولى حجم الجهد البحثي الذي بذله المؤلف في توثيق تاريخ بلدة الحليلة الواقعة في محافظة الأحساء الحبيبة. فقد جاء الكتاب صورةً صادقة لواقع البلدة، ومرجعاً مهماً لكل مهتم بتاريخ المكان والإنسان.

وقد تناول المؤلف جوانب عديدة أثرت التجربة البحثية، من أبرزها:

• الحياة الاقتصادية وتحوّلاتها عبر الزمن.

• الحياة الدينية ودورها في تشكيل الهوية الاجتماعية.

• الرجال البارزون الذين تركوا بصمتهم في مسيرة البلدة.

• أوائل المهن، وهو محور نوعي يثري المحتوى ويوثق ذاكرة العمل.

• التعريف بشخصيات مهمة مثل الدكتور عبد القادر البلادي، صاحب السيرة العطرة والصداقة المخلصة.

يمثّل هذا الكتاب لبنة أساسية في فتح المجال أمام أبناء الحليلة والمهتمين بتاريخ الأحساء لدراسة الهوية الثقافية والاجتماعية، وفهم القيم المتوارثة التي صاغت تجربة البلدة. كما يستعرض الكتاب بمهارة عناصر القوة الناعمة التي بنتها البلدة عبر موروثها، بدءاً من الأرض والنخلة وما تمثله من رمز زراعي ومعيشي، وصولاً إلى جمال الطبيعة وإمكاناتها المتاحة.

وتبرز في ثنايا الكتاب سيرة المؤلف التي جاءت كالنجم الساطع في العمل، بما يعكس خبرته ووعيه ونشاطه الثقافي والشعري والأدبي، ليقدّم للأجيال عملاً يوثّق فضل الآباء والعلماء والأطباء والصناع وأهل الحِرَف الذين شاركوا في صناعة تاريخ البلدة.

ختاماً، نتقدّم بخالص الشكر والتقدير للمؤلف على هذا الجهد المبارك، سائلين الله أن يجعله في ميزان حسناته، وأن يوفقه في إصدار أعمال جديدة تثري المكتبة الأحسائية والوطن والعالم العربي.