2013/01/21 | 0 | 2105
العصمة في القرآن
عقيدة العصمة:
إن العصمة هي نور الإمامة، ودليلها، والقدرة العجيبة التي ينفذ الإمام بها في قلوب الناس، ويمتنع التصور للإمامة من دون العصمة ـــ لدى الإمامية من المسلمين ـــ إذ أن للإمامة خصائصا ضرورية تجمعها العصمة من: الطهارة، والبراءة، والعلم، والحلم، ودعم النظام...
طبقا للشكل الذي شرحه الإمام علي بن موسى الرضا صلوات الله عليه.
فمن يريد أن يتعرف على العصمة يجب أن يتعرف على الإمامة أولا؛ لأن العصمة هي قانون الإمامة فما نجدها لدى البعض من إخواننا السنة ومنهم الأستاذ حسن فرحان الذي يسجل شيئا من الإعجاب بالشيعة والتشيع ويعترف بالإنجازات الكبيرة لهم لكنه في عين الوقت يقول بأن الشيعة لديهم مصيبة وهي الغلو، وأن أبرز علامة للغلو لديهم ـــ حسب رأيه ـــ هي العصمة ..
ولقد قال في بعض كتاباته أن الأسماء التي حصرها الشيعة هم أئمتي أيضا، ولكني لا أقول بعصمتهم لأن دعوى العصمة فيهم غلو ؟!!
وإننا نقول لأخينا الحفي أننا لم نجد فيما فتشنا فيه من صفحاتك القيمة أي بحث يتصل بالإمامة، بحثا يقارن بين النظريات الكلامية ويُحَكِمُ الكتاب والسنة، وهذه فجوة وخلل منهجي لأنك قبل أن تجلي حقيقة الحال في الإمامة لن تعرف مهمة العصمة..
إن عقيدة العصمة على قسيمن:
1- العصمة في التبليغ وقد أعترف الشيعة والسنة أن النبي والرسول صلى الله عليه واله يجب أن لا يفرغ بلسانه إلا عن الله عز وجل في مقام التبليغ والدعوة .
2- العصمة التي تشمل التبليغ وغيره وقد أعترف بها الشيعة وتاهت فيها كلمة الآخرين فهناك من يلتقي مع الشيعة وهناك من يختلف معهم وهناك من يوافق أهل الكتاب في أن النبي والرسول يجوز عليه كل المعاصي حتى الكبائر، بل ربما لم يتضح عند هذا القائل الفرق بين مقامي التبليغ وغيره ؟!!
العصمة من منصة عقلية:
يرى الشيعة أن من قضاء العقل وجوب أن يكون الإمام معصوما ولو جازت عليه المعصية لنفرت منه النفوس ولتعامل الناس معه بمشاعر النفرة والقرف وهي حالة نفسية تأخذ ثلاث درجات:
أبسطها: أن يمارس الناس وأفراد الأمة مع وليهم وإمامهم دور النهي عن المنكر فينهونه ويزجرونه ويعنفونه في القول وقد يمارسون معه الأكثر من ذلك؛ لأن وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تأخذ منحا تصاعديا ولو ضربا بالسياط على ظهره حسب طبيعة الأشياء ..
والنهي عن المنكر وليد الشعور بالقرف والتقزز لأن من ينهى عن شيء فقد استشعر قبحه .
ويفوقها صورة أخرى وهي: التبرؤ منه نحو ما يتبرأ أهل السمت والاستقامة من العصاة والفساق..
إذن لو جازت المعصية على الإمام لجاز أن يتبرأ منه أفراد أمته، وهذا نقض للغرض فإن الإمامة نظام للدين وإذا جاز تحقق التفرق عنه فإنه لن يضمن النظام للدين؛ لأن الإمام مسطرة إذا انثلمت أو اعوجت فلن تستقيم الصفوف الاجتماعية !!
وأخطرها: أن الإمام قد يقضي بحكم أو يتحرك بدور معين ينقض النظام فيوجب الاختلاف الشديد في الأمة وهذا هو أخطر أنواع النفرة، وكمثال للإمامة التي قـَسّمت الأمة هي خلافة عثمان بن عفان حيث أنه اختص بسياسة معينة قدم فيها بني عمومته وجعلهم على رأس الهرم وتسامح معهم في الكثير من الجوانب المالية والسياسية ...كما هو مذكور عند المؤرخين مما كون ثورة واسعة على إمامته، بل إن الأمة بقي انقسامها على مدى أجيال ولأكثر من قرنين حتى أن بعض أعلام القرن الثالث كالجاحظ كانوا يصنفون على أنهم عثمانيون!!
وإن هذا الانقسام الطويل ـــ على إثر فتنة إمام ووالي ـــ هو الشاهد التاريخي الواضح الذي يؤكد لنا صحة قول الشيعة بضرورة أن يكون الإمام معصوما، بل ويدل هذا على أن قولهم منطق فطري..
إذن فالنفرة في أخطر صورها قد تسبب الخلاف والشرخ وتكسر المسطرة الاجتماعية !!
المنصة القرآنية:
وهنا نوجه وجوهنا إلى المتحدث عن العصمة من منصة القرآن الكريم:
{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ}.
وفي مقام التفسير نقول: إن طاعة الله عز وجل لا تأتي من أنه فوق كل شيء وأنه صاحب الجبروت والعظمة فقط ، بل لأنه لا يحيد بك عن العدالة فهو العادل في كل أمر يدعوك إليه أو يزجرك عنه فالإيمان بالعدالة المطلقة ثمرتها العقلية هي الطاعة المطلقة،.ثم أن امتداد العدالة الإلهية في قوله وأطيعوا الرسول فيكون قوله وأولي الأمر منكم من باب الامتداد للعدالة الإلهية والمحمدية، وهذا ما يعني بالضرورة أنهم أولي عصمة، فإنه إذا كان معصوما سيكون عادلا بالعدالة الدقيقة؛ إذ لو لم يكن معصوما فلن يكون عادلا.
ويقول تعالى على لسان إبراهيم الذي سره أن أوتي مقام الإمامة وبدافع المسرة قال:{... قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}.
وليس معنى الظلم هنا الذنب من الكبائر أو الصغائر بل هي بالمعنى اللغوي وهو وضع الشيء في غير موضعه على نحو يعد خطأ عرفا وقابل للملاحظة (1) فهي تشير إلى الخصيصة الثانية للإمامة وهي أن الإمامة امتداد للحكمة أيضا مضافا إلى أنها امتداد للعدالة أيضا بموجب هذه الآية وسابقتها.
القرآن بين الترائي والرؤية:
إن الرؤية القرآنية لا يصل إليها كل إنسان {وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم}، فالموجود عند غير الراسخين في العلم هو ترائي كما تراء لبعضهم أن الإنسان مُسَيّر ومجبور من بعض الآيات، وكما تراء لبعضهم أيضا أن الأنبياء والرسل غير معصومين حتى عن الكبائر لبعض الآيات الأخرى.
وبهذا نصل إلى حديث آخر للإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام فقد كان يستقبل المشبهين والمحرفين في مجلس المأمون ويعمل على كبتهم وإخراس ألسنتهم ولكن بالإسلوب المنطقي والعلمي ..
تقول الرواية قام إليه ذات يوم علي بن محمد بن الجهم وقال يابن رسول الله صلى الله عليه واله أتقول بعصمة الأنبياء؟
قال بلى..
قال فما تعمل في قول الله} وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى}.
وقوله:{وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ}.
وقوله في يوسف: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا}.
وقوله لنبيه صلى الله عليه واله:{ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ}.
قال له الإمام الرضا عليه السلام: ويحك يا علي اتق الله ولا تنسب إلى أنبياء الله الفواحشَ ولا تتأول كتابَ الله برأيك فقد قال الله تعالى:{ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}.
أما قوله عز وجل في آدم {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى}فإن الله عز وجل خلق آدم حجة في أرضه وخليفة في بلاده ولم يخلقه للجنة وكانت المعصية من آدم في الجنة لا في الأرض لتتم مقادير أمر الله عز وجل فلم أهبط إلى الأرض وجعل خليفة عصم في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ}.
وأما قوله تعالى:{وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} إنما ظن أن الله عز وجل لا يضيق عليه رزقه ألا تسمع قوله وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه}أي ضيق عليه ولو ظن أن الله عز وجل لا يقدر عليه لكان كافرا.
وأما قوله في يوسف {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا}فإنها همت بمعصية وهم يوسف بقتلها إن هي أجبرته لعظم ما داخله فصرف الله عنه قتلها والفاحشة وهو قوله كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء فالسوء القتل والفحشاء الزنا.
أما محمد نبيه صلى الله عليه واله وقوله عز وجل:{ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ}فإن الله عز وجل عرف نبيه أسماء زوجاته في دار الدنيا وزوجاته في دار الآخرة وأنهن أمهات المؤمنين وواحد ممن سمي له زينب بنت جحش وهي يومئذ تحت زيد فأخفى صلى الله عليه واله اسمها في نفسه ولم يبده لكيلا يقول أحد من المنافقين أنه قال في امرأة في بيت رجل أنها أحد أزواجه وأمهات المؤمنين ..."".
إضاءة وتوضيح:
فالإمام عليه السلام أراد أن يقول لأي من أصحاب هذا المنطق أن على الإنسان أن لا يفتح ركوته في غير إنائه وأن الوصول إلى حقائق القرآن بحاجة إلى رد بعض آياته إلى بعض زائدا على التأمل وإعطاء كل كلمة حقها، لهذا فإن هؤلاء المتحدثين تركوا كلمة في الأرض من قوله تعالى: {إني جاعل في الأرض خليفة}، وكأنها لم تكن !!
على أنها تتحدث عن نبوة وإمامة خاصة بالأرض أي أنه حجة في الدنيا وليس بحجة في العالم السابق على ذلك، بل إن ذلك العالم ليس بحاجة إلى حجة من قبيل آدم عليه السلام، وإنما يحتاج العصمة من هو حجة، وهذا يعني أن العصمة ليست لطفا بالإمام أو النبي فقط بل إنها لطف بالعباد الذين يقتدون به ويسيرون خلفه، وإلا لتقسموا ولاختلفوا بمقدار ما يبدو منه من تصرفات لا يمكن تمييز الصائب منها من الخائب !
وإذا لم يكن هناك حجة فليس هناك تكليف بالضرورة، لأنك متى قلت لا يوجد تكليف أي لا يوجد حجة والعكس يولد من العكس.
وكذا فيما يعود إلى ذي النون فإن كلمة الـ(القدر) تأتي بمعنى التضييق في القرآن العزيز، فذا النون ظن أن عمله لا يتبعه أثر وضعي وهو التقدير والتضييق في الرزق، وهو ما جاء في الآية الأخرى {فقدر عليه رزقه}، وهذا هو الدليل القرآني التي استند إليه الإمام الرضا عليه السلام، ثم أتبعه بطعن فكري على المتحدث وأشار إلى أن البناء على ظاهر الآية سيقودنا إلى القول بنسبة الكفر إلى ذي النون وليس المعصية؛ وذلك لأن من يقول أن الله لا يقدر عليّ ولا يستطيع أن يفعل بي كذا وكذا فهو كافر ومن المحال أن ينسب الكفر إلى الأنبياء !!
وأما بخصوص يوسف الصديق فقد أبهتهم الإمام عليه السلام بالتركيز على ما غفلوا عنه وهو أن الله عز وجل ذكر أمرين وهما السوء والفحشاء ولو كان فعل الاثنين ـــ زوجة العزيز ويوسف ـــ متجانسا لكفى أن يذكر الفحشاء فقط ..زد على ذلك أن القرآن ذكر هذه الصرفة بعد الهمة مباشرة وقبل أن يلفيا سيدها عند الباب وهذا ما يقطع طريق التأويل على القائل بأن السوء هو الضرر الذي سيحصل له والجزاء الذي سينزل به من قبل العزيز مضافا على أنه قد سجن والسجن ضرر ولم يصرف عنه !!
والحمد لله رب العالمين أولا وآخرا
جديد الموقع
- 2024-05-09 ما بعد الوظيفة (2)
- 2024-05-09 ناصر الجاسم.. في مجموعته القصصية «العبور».. القاص المسكون بهاجس من ذاكرته الشعبية.
- 2024-05-09 كيف يصرح الأديب بحبه
- 2024-05-09 (التعويض عن الضرر المعنوي في النظام السعودي)
- 2024-05-09 الدفاع المدني بمنطقة القصيم تكرم الإعلامي زهير الغزال
- 2024-05-08 جامعة الملك فيصل تشارك في مؤتمر ومعرض الشرق الأوسط لهندسة العمليات 2024 بالظهران إكسبو
- 2024-05-07 فاطمة السحاري : لا يسعفني قلمي ولا وجعي .. فالمسافر راح .. فرحمة الله تحتويك يا "البدر"
- 2024-05-07 الخريف يرعى تكريم اللجنة المنظمة للنسخة الثالثة لـ حرفيون
- 2024-05-07 ضمن برنامج الاحتفاء بأسبوع الأصم العربي ٤٩
- 2024-05-07 أهمية الكتب الورقية: لماذا الكتاب الورقي الذي يحمله الطفل بيديه أفضل من الكتاب الذي يقرأه على الشاشة؟