2017/01/30 | 0 | 3360
الخوف من الغموض
ولد الإنسان بفطرة النفور من الغموض؛ فمثلا، كل البشر يخافون من الموت لأنه غامض. لكن أحيانا تجد امرئ يضحي بنفسه لأجل قضية ضاربا بذلك عرض الحائط خوفه من الغموض، فما السبب يا ترى؟ الإجابة على هذا السؤال تكمن في الفرق بين المخاطرة (risk) والريبة (uncertainty) وسنحاول الشرح من خلال الأمثلة الآتية.
افترض أن هناك صندوقان في كل منهما 100 كرة؛ (أ) أحدهما فيه 50 كرة خضراء و50 صفراء، (ب) والثاني فيه أيضا كور خضر وصفر ولكن لا نعرف نسبيتهما. لو قلنا سنعطيك قطعة من الذهب في حال حصلت على كرة خضراء من أي من الصندوقين؛ طبعا، دون رؤية لون الكرة أثناء سحبها. أي من الصندوقين ستختار؟ علماء النفس أجروا هذه الاختبارات فوجدوا أن السواد الأعظم سيختارون من الصندوق (أ)، وهذا النتيجة مدعومة من خلال الورقة المطروحة في أبحاث هارڤارد (المصدر الثاني) وكتاب رولف دوبلي (المصدر الأول).
الآن، لنعكس القضية ونطلب إليك أن تسحب هذه المرة كرة صفراء، فما النتيجة التي تتوقعها؟ ما يثير الغرابة أن السواد الأعظم أيضا سيختار الصندوق (أ) على (ب)، وهذا أمر محير لأنه بالرغم من تباين الطلبين إلا أن الأنظار تتجه دائما إلى الصندوق الأول نفسه؛ فما السبب؟
لا تحتر ولا تشكك في نفسك، هذه قضية معروفة وتسمى "مفارقة السبرگ" كما هو موضح في المصدر الثالث. دانيال السبرگ أحد علماء النفس في جامعة هارڤارد وكان بحثه في الأساس سريا إذ تم تسريبه من الپنتاگون (Pentagon) مما أدى إلى سقوط رئيس أمريكا السابق ريتشارد نيكسون. قام السبرگ بتجربة ميدانية بهذا الخصوص فوجد أن الناس تفضل اختيار الأمر الذي يؤدي إلى نسب مسبوقة المعرفة (مخاطرة أو مجازفة أو مغامرة) على أن يختاروا أمرا لا يعلمون نتائجه مسبقا (شك أو ريبة).
يقول دوبلي إن الكثير من الناس لا تميز بين المخاطرة والريبة، ولكن التمييز يقتضي الوصول لنتيجة نسبة معينة من خلال المخاطرة بينما لا نصل إلى أي نسبة من خلال الريبة؛ ويبدو أن دوبلي وقع في خطأ الخلط بين الاحتمالات (probability) والإحصاء (statistics) بالرغم من أنه حذر من الخلط بين المخاطرة والريبة! قال إن المخاطرة تعتمد على علم الإحصاء، بينما هي تعتمد على الاحتمالات. الفرق بين الاثنين أن الاحتمالات يستقرئ المستقبل بينما الإحصاء تتعامل مع الماضي. يقول دوبلي إن الناس تحاول حشر الريبة في المخاطرة ولكنها لا تنسجم.
أعطى دوبلي مثالين ليبين الفرق بين المخاطرة والريبة في مقالته الثمانين من كتابه الموجود في المصدر الأول، وأظن أنه أيضا قد التبس عليه الأمر لأنه لم يأتِ من خلفية رياضية ليستند عليها كما يجب حيث أنه اعتبر الإحصاء كقاعدة للمخاطرة والاحتمالات قاعدة للريبة إذ إنه عرض نسبة الإصابة بمرض السرطان على أنه مخاطرة بينما هذه النسب لا تعتمد فقط على الاحتمالات وحدها لأنها تستند على أرقام إحصائية متوفرة للجميع وعلى مدى مرور العديد من السنين وذلك بتوفر الخبرة المسبقة، وفي النقيض أعطى احتمالية سقوط اليورو كمثال للريبة وهذه لا تعتمد على مستندات إحصائية مسبقة ولكن الاحتمالية تبقى قائمة على أي حال بنسب متفاوتة اعتمادا على معطيات أخرى مثل الصناعة والاقتصاد وما شابه.
في آخر مقالته، يضع دوبلي بعض النصائح الثمينة من خلال عدم التسرع في الحكم وعلينا أن نتعلم كيف نتعامل مع الريبة بصورة إيجابية إذ أوعز طبيعة الأمر إلى تركيبة اللوزة (amygdala) في دماغ المرء والتي تلعب دورا كبيرا في مزاج الشخص وتعاطيه مع المخاطر والريب، لذلك تجد المحافظ (اليميني) في الأمور وكذلك تجد المشاكس (اليساري).
نعود الآن للآية المباركة في سورة آل عمران حينما أخذ محمد بن عبد الله (ص) أعز من يملك في هذه الدنيا وهم فاطمة (ع) وفلذتي كبدها الحسنين (ع) ونفسه التي بين جنبيه الإمام علي (ع) لأخطر مهمة عرفها التاريخ، فهل كانت هذه الرحلة مخاطرة أو ريبة أم أنها أمر مختلف كليا؟ علما أنه قد يضحي المرء بنفسه لأجل من يحب، ولكنه ليس من السهل عليه أن يضحي بمن يحب هو لأجل نفسه إلا إذا كان متيقنا من قضيته وعدالتها وأنّ خلفها قادر جبار يتصرف حيث يشاء. اللهم صلِّ على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، ومن هنا نترك المجال مفتوحا لبحث قضية الأديان والاعتقادات، وبالخصوص ظاهرة محمد (ص)، لوضعها تحت المجاهر والدراسات الموضوعية والتجريبية في الفائدة المرجوة لرسول الله (ص) في تحمل كل هذه المخاطر في سبيل إبلاغ رسالة لم يجنِ هو من ورائها أي مصلحة شخصية أو فائدة مادية.
جديد الموقع
- 2024-05-17 أفراح الجزيري تهانينا
- 2024-05-17 الكتاب الذي ينسيك أنك تقرأ
- 2024-05-17 انقطاع العلاقات بعد التقاعد.
- 2024-05-16 خطط مرحلية لإنجاز مشاريع ( سفلتة مخططات المنح ) بالأحساء
- 2024-05-16 سمو محافظ الأحساء يستقبل وكيل وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان للتخصيص والاستدامة المالية
- 2024-05-16 " لوحات تفاعلية " في المواقع الحرجة مرورياً بالاحساء
- 2024-05-16 مكافحة متلازمة المحتال والهدف هو مساعدة الطلاب الذين لا يثقون بأنفسهم محاضر في علم النفس يركز على مكافحة العقلية السلبية
- 2024-05-16 24 مشروعا رياديا في ختام برنامج منشآت بالأحساء
- 2024-05-16 الخطوط الفنية والعملية مع كتاب عقلية فقيه (مع الشيخ حبيب بن قرين الأحسائي ) للمؤلف / الشيخ عبد الجليل البن سعد)
- 2024-05-16 هل انتفت ثنائية المركز والهامش ؟