أقلام وكتابات
2019/09/08 | 0 | 2899
عمتي رمز التسامح
( زكي محمد الخويتم )
(وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) التغابن 14 (1)
هذه الشجرة الأصيلة التي ترتبط بالموروث الشعبي والبيئي وتضرب جذورها في عمق الأصالة في هذا الوطن الغالي، وتُعَدُ رمزا للصمود في بيئة قاسية من ارتفاع درجة الحرارة وقلة منسوب المياه، عُرفت منذ القدم في العالم فالتقت الشعوب والحضارات والأديان في إجلالها فهي المعطاءة تَهبُ كل خيراتها لهذا الإنسان، ولا تنتظر رد جميل بل تعفو وتصفح، فهي رمز التسامح، إنها عمتي النخلة.
ليس مطلوبي الحديث عن النخلة وإن كانت تستحق الحديث وأكثر، وإنما المطلب هو مفهوم التسامح.
وسوف اتناول هذا الموضوع في النقاط التالية:
• تاريخ مفهوم التسامح:
ما إن يأتي الحديث عن التسامح إلا ويتبادر إلى الذاكرة عصر التنوير في أوربا وذلك بعد أن اجتاحتهم تلك الحروب التي أودت بحياة الملايين من البشر وأتت على الأخضر واليابس، فبدأت مبادرات من بعض المفكرين والكتاب بطرح مفهوم التسامح في مقابل التعصب الديني والفكري والاجتماعي حيث كان اضطهاد الكنيسة هو السائد في ذلك الوقت. (2)
وعندما يذكر التسامح يأتي اسم الفيلسوف "جون لوك " كأول من نظر للتسامح في أواخر القرن السادس عشر، فألف كتاب بعنوان "رسالة في التسامح" والذي طُبع في هولندا، سنة ١٦٨٩م، وتمت ترجمته الى عدة لغات ومؤخرا ترُجمَ الى اللغة العربية. (3)
وقد صدر عن منظمة اليونسكو إعلان يوم التسامح في ١٦ نوفمبر، وعام ١٩٩٥م عام التسامح، لترسيخ مفهومه كسلوك حضاري. (4)
• التسامح في القران والسنة النبوية:
لم ترد لفظة التسامح في القرآن الكريم ولم تُذكر الكلمة صراحة في آياته الشريفة، ولكن الآيات الشريفة تدل على مصاديق التسامح وتطبيقاته العملية من اللين، والمغفرة والعفو، والصفح وكظم الغيظ والسلم وعدم الإكراه ....
وقد ذكر الدكتور رشيد الخيون أن هناك أكثر من 100 آية في القرآن تدل على التسامح ونبذ الكراهية. (5)
وقد دلت هذه الآيات على الترغيب في العفو والصفح:
(فمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّه) الشورى:40
(وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) التغابن 14
ومن آيات اللين والرفق:
(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) العمران:159
ومن آيات السلم:
(وإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا) الانفال: 61
(لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) البقرة: 256
(وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) العنكبوت: 46
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (بُعِثتُ بالحنيفية السمحة) (6)
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ( يسّروا ولا تعسّروا وبشّروا ولا تنفّروا) (7)
• النبي محمد صلى الله عليه وأله وسلم والتسامح:
ولنا في رسول الله اسوة حسنة فلقد ترجم لنا تلك المعاني في العفو والصفح فقابل الظلم بالغفران وتجاوز عمن طردوه وأدموه، فموقفه في فتح مكة سطر أروع مواقف التسامح الإيجابي.
عندما قال لهم: ما تظنون؟ وما أنتم قائلون؟
فقالوا: نقول خيرا، ونظن خيرا، أخ كريم وابن عم.
فقال: فإني أقول كما قال أخي يوسف "لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين". (8)
فهذا درس نبوي مُلْهِم للعالم أجمع.
• مبادئ التسامح:
ربما يقول قائل أن لا حدود للتسامح وهو قول فيه شيء من الصحة، إلا إننا نعتقد أن وضع بعض الضوابط أو المبادئ تضع التسامح في مكانه الصحيح وإلا كما عبر عنه بعض المختصين يُنتِجُ حالة من التجاسر عند بعض البشر، ومن المبادئ التي تتعلّق بالتسامح:
(1) الحُكم بموضوعيّة: أو كما عبر عنه القرآن الكريم باصطلاح "القيام بالقسط"
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ .(ولهذا
ينبغي أن يحاول الشخص تفهُّم الآخرين بشكلٍ غير انحيازيّ، أو تعصُّبي.
(2) العقلانيّة: قد يختلف شخص ما في وجهة نظر معينة مع آخرين ويحمل موقف
مخالف لهم، لا ضير في ذلك، المهم ألا يكون هذا الموقف مصحوب
بالكراهية، وإلا لم يكن هذا الانسان متسامح.
(3) التسامح بقناعة: أحيانا يبدي بعض الأشخاص تسامحا عن غير قناعة،
فسرعان ما تفضحهم اقوالهم أو شكواهم وبعض تصرفاتهم، فيتسامحون رغبةً
بأن يُقال شخص متسامح، وذلكَ لا يُعتبر متسامحاً، فيجب ان يكون التسامح
عن قناعة حتى لو كلفنا ذلك الموقف حالة من الألم النفسي او المادي.
• الخاتمة:
ومجتمعنا اليوم بأمس الحاجة إلى روح التسامح الفعّال والتعايش الإيجابي بين الأفراد والجماعات ومختلف المكونات، بأخلاقيات الإسلام بمحبة ومودة، وتسود فيه حالة اللين في التعامل وتسمو بنا هذه الحالة إلى الصفح والعفو عن الأخطاء، وكظم الغيظ تجاه الأخرين والإيثار والتضحية، فهي تطبيقات عملية للعمل بروح ومنهج التسامح، فالقيم الإسلامية ليست مجرد مبادئ نظرية مثالية، بل منظومة متكاملة و واقع ملموس وقد ضرب القرآن الكريم الأمثلة من الأنبياء والصالحين وسيرة الإسلام حافلة بهذه النماذج.
-----------------------------------------------
المصادر :
(1) القران الكريم
(2) الامام الحسين ونهج التسامح، تأليف الدكتور الشيخ عبدالله اليوسف، القطيف
(3) رسالة في التسامح، تأليف: جون لوك، ترجمة: منى أبوسنة، الطبعة الأولى 1997
(4) موقع اليونسكو https://ar.unesco.org/commemorations/toleranceday
(5) مقال في جريدة الرياض الجمعة 11 ذي القعدة 1430هـ
(6) عوالي اللآلئ العزيزية في الأحاديث الدينية، ابن جمهور الأحسائي، دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى ١٤٣٠ هـ
(7) نفس المصدر
(8) بحار الانوار ج21 الصفحة 132
جديد الموقع
- 2024-05-09 (التعويض عن الضرر المعنوي في النظام السعودي)
- 2024-05-09 الدفاع المدني بمنطقة القصيم تكرم الإعلامي زهير الغزال
- 2024-05-08 جامعة الملك فيصل تشارك في مؤتمر ومعرض الشرق الأوسط لهندسة العمليات 2024 بالظهران إكسبو
- 2024-05-07 فاطمة السحاري : لا يسعفني قلمي ولا وجعي .. فالمسافر راح .. فرحمة الله تحتويك يا "البدر"
- 2024-05-07 الخريف يرعى تكريم اللجنة المنظمة للنسخة الثالثة لـ حرفيون
- 2024-05-07 ضمن برنامج الاحتفاء بأسبوع الأصم العربي ٤٩
- 2024-05-07 أهمية الكتب الورقية: لماذا الكتاب الورقي الذي يحمله الطفل بيديه أفضل من الكتاب الذي يقرأه على الشاشة؟
- 2024-05-07 الدور الخفي لدرب التبانة في الميثولوجيا المصرية القديمة
- 2024-05-07 القراءة ونشوة المعرفة
- 2024-05-07 أنامل على الأعتاب في مدح السادة الأطياب اصدار جديد